إلا ضميرا مستترا ، وكذلك فاعل يفعل ، فكيف يصح وقوع الظاهر موقع المضمر الذي قبله؟ وهذا الذي يزعم ليس بشيء ؛ لأنّ مذهب سيبويه بنصّه يخالفه ؛ ولأنه لا خلاف في صحّة «تقوم هند وزيد» ولا يصحّ مباشرة «زيد» لا «تقوم» لتأنيثه.
و «السّكون» و «السّكنى» : الاستقرار ، ومنه «المسكين» لعدم حركته وتصرّفه ، والسّكين لأنها تقطع حركة المذبوح ، والسّكينة لأن بها يذهب القلق.
وسكّان السفينة عربي لأنه يسكنها عن الاضطراب ، والسّكن : النار.
قال الشاعر : [مشطور السريع]
٣٨٩ ـ ........... |
|
قد قوّمت بسكن وأدهان (١) |
و «الجنّ» : مفعول به لا ظرف ، نحو : «سكنت الدّار».
وقيل : هي ظرف على الاتساع ، وكان الأصل تعديته إليها ب «في» لكونها ظرف مكان مختصّ ، وما بعد القول منصوب به.
فصل في بيان هل الأمر في الآية للإباحة أو لغير ذلك
اختلفوا في قوله : «اسكن» هل هو أمر أو إباحة؟
فروي عن قتادة : أن الله ابتلى آدم بإسكان الجنة كما ابتلى الملائكة بالسّجود ، وذلك لأنه كلفه بأن يكون في الجنّة يأكل منها حيث شاء ، ونهاه عن شجرة واحدة.
وقال آخرون : إن ذلك إباحة.
والصحيح أن ذلك الإسكان مشتمل على إباحة ، وهي الانتفاع بجميع نعم الجنة وعلى تكليف ، وهو النهي عن أكل الشجرة.
قال بعضهم : قوله : «اسكن» تنبيه عن الخروج ؛ لأن السّكنى لا تكون ملكا ؛ لأن من أسكن رجلا مسكنا له فإنه لا يملكه بالسّكنى ، وأن له أن يخرجه منه إذا انقضت مدة الإسكان ، وكان «الشّعبيّ» يقول : إذا قال الرجل : داري لك سكنى حتى تموت ، فهي له حياته وموته ، وإذا قال : داري هذه اسكنها حتى تموت ، فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات ، ونحو السّكنى العمرى ، إلا أن الخلاف في العمرى أقوى منه في السّكنى.
قال «الحربي» : سمعت «ابن الأعرابي» يقول : لم يختلف العرب في أنّ هذه الأشياء على ملك أربابها ، ومنافعها لمن جعلت له العمرى والرّقبى والإفقار والإخبال والمنحة والعريّة والسّكنى والإطراق.
__________________
(١) ينظر القرطبي : ١ / ٢٠٥.