والجواب : أن قوله : «فأزلهما» أنهما عند وسوسته أتيا بذلك الفعل ، وأضيف ذلك إلى «إبليس» كما في قوله تعالى : (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) [نوح : ٦] قال تعالى حاكيا عن إبليس : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم : ٢٢] ، هذا قول المعتزلة ، والتحقيق في هذه الإضافة ما ذكرناه ، وهو أن القادر على الفعل والترك مع التّساوي يستحيل أن يكون موجدا لأحد هذين الأمرين إلا عند انضمام الدّاعي إليه ، والدّاعي في حقّ العبد عبارة عن علم أو ظن ، أو اعتقاد بكون الفعل مشتملا على مصلحة ، فإذا حصل ذلك العلم أو الظن بسبب منبّه نبه عليه كان الفعل مضافا إلى ذلك المنبّه ؛ لأنه هو الفاعل لما لأجله صار الفاعل بالقوة فاعلا بالفعل ، فهكذا المعنى انضاف ـ هاهنا ـ إلى الوسوسة.
فإن قيل : كيف كانت الوسوسة؟
فالجواب : هي التي حكى الله عنها في قوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [الأعراف : ٢٠] فلم يقبلا ذلك منه ، فلما أيس عدل إلى اليمين على ما قال تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف : ٢١] فلم يصدقاه. والظاهر أنه بعد ذلك عدل إلى شيء آخر ، وهو أنه شغلهما باستيفاء اللّذّات المباحة حتى صارا مستغرقين فيها ، فحصل بسبب استغراقهما فيها نسيان النهي ، فعند ذلك حصل ما حصل ، والله أعلم.
فصل في بيان كيف وسوس إبليس لآدم
اختلفوا في أنه كيف تمكّن إبليس من وسوسة آدم عليه الصلاة والسلام ، مع أن إبليس كان خارج الجنّة ، وآدم عليه الصّلاة والسّلام داخل الجنّة؟ وذكروا فيه وجوها :
أحدها : ما روي عن وهب بن منبّه والسدي عن ابن عباس وغيره : أن إبليس أراد دخول الجنة ، فمنعته الخزنة ، فأتى الحية بعد ما عرض نفسه على سائر الحيوانات فما قبله واحد من الحيوانات ، فابتلعته الحية وأدخلته الجنّة خفية من الخزنة ، فلما دخلت الحيّة الجنة خرج إبليس من فيها واشتغل بالوسوسة ، فلا جرم لعنت الحيّة ، وسقطت قوائمها ، وصارت تمشي على بطنها ، وجعل رزقها في التراب ، وصارت عدوا لبني آدم ، وأمرنا بقتلها في الحلّ والحرم (١).
قال ابن الخطيب (٢) : وهذا وأمثاله يجب ألا يلتفت إليه ؛ لأن إبليس لو قدر على
__________________
(١) أخرجه الطبري (١ / ٥٢٥ ـ ٥٢٦) عن وهب بن منبه وأخرجه أيضا (١ / ٥٢٧) عن ابن عباس وابن مسعود.
وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٨٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن مسعود وعبد الرزاق عن ابن عباس وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس أيضا.
(٢) ينظر الرازي : ٣ / ١٥.