«الفاء» ـ هنا (١) ـ فاء السببية.
وقال المهدويّ : إذا جعل «فأزلهما» بمعنى زلّ عن المكان كان قوله : (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) توكيدا ، إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر ، وهذا الذي قاله المهدويّ أشبه شيء بالتأسيس لا التأكيد ، لإفادته معنى جديدا.
قال «ابن عطية» : وهنا محذوف يدلّ عليه الظاهر تقديره : فأكلا من الشّجرة ، يعني بذلك أن المحذوف [يقدر](٢) قبل قوله : «فأزلّهما».
و «ممّا كانا» متعلّق ب «أخرج» ، و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية ، وأن تكون نكرة موصوفة ، أي : من المكان أو النعيم الّذي كانا فيه ، أو من مكان ، أو نعيم كانا فيه ، فالجملة من «كان» واسمها وخبرها لا محلّ لها على الأوّل ومحلّها الجرّ على الثاني ، و «من» لابتداء الغاية.
فصل في قصة الإغواء
روي عن ابن عبّاس ، وقتادة قال الله تعالى لآدم : ألم يك فيما أبحتك الجنّة مندوحة عن الشّجرة ، قال : بلى يا ربّ وعزّتك ، ولكن ما ظننت أن أحدا يحلف بك كاذبا قال : فبعزّتي لأهبطنّك إلى الأرض ، ثم لا تنال العيش إلا كدّا ، فأهبطا من الجنة ، فكانا يأكلان فيها رغدا فعلم [صنعة](٣) الحديد ، وأمر بالحرث فحرث وزرع وسقى ، حتى إذا بلغ حصد ، ثم داسه ، ثم ذراه ، ثم طحنه ، ثم خبزه ، ثم أكله ، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله تعالى (٤). ويروى أن «إبليس» أخذ من الشجرة التي نهي آدم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ عنها فجاء بها إلى حوّاء فقال : انظري إلى هذه الشّجرة ما أطيب ريحها ، وأطيب طعمها ، وأحسن لونها ، فلم يزل يغويها حتى أخذتها فأكلتها وقالت لآدم : كل فإني قد أكلت فلم تضرني ، فأكل منها فبدت لهما سوآنهما ، وبقيا] عرايا ، فطلبا ما يستتران به ، فتباعدت الأشجار عنهما ، وبكّتوه بالمعصية ، فرحمته (٥) شجرة التين ، فأخذ من ورقها ، فاستتروا به فبلي بالعري دون الشجر (٦).
__________________
(١) زاد في أ : هنا واضحة.
(٢) في أ : تقدير.
(٣) سقط في ب.
(٤) ذكر هذا الأثر السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٠٨) وعزاه لسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وابن المنذر وابن عساكر في «تاريخه» عن ابن عباس.
(٥) في ب : وحمته.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١ / ٥٢٦) وفي «التاريخ» (١ / ٥٤) وذكره ابن كثير في «تفسيره» (١ / ١٤٣).