بالنّصب على معنى جاءته عن الله ـ تعالى ـ كلمات ، و «من ربه» متعلّق ب «تلقى» ، و «من» لابتداء الغاية مجازا.
وأجاز أبو البقاء أن يكون في الأصل صفة ل «كلمات» فلما قدم انتصب حالا ، فيتعلّق بمحذوف ، و «كلمات» مفعول به.
وقرأ (١) «ابن كثير» بنصب «آدم» ، ورفع «كلمات» ، وذلك أن من تلقّاك فقد تلقيته ، فتصبح نسبة الفعل إلى كلّ واحد.
وقيل : لما كانت الكلمات سببا في توبته جعلت فاعلة ، ولم يؤنث الفعل على هذه القراءة وإن كان الفاعل مؤنثا ؛ لأنه غير حقيقي ، وللفصل أيضا ، وهذا سبيل كل فعل فصل بينه وبين فاعله المؤنّث بشيء ، أو كان الفاعل مؤنثا مجازيا.
فصل في الكلمات التي دعا بها آدم ربه
اختلفوا في تلك الكلمات ما هي؟
فروى «سعيد بن جبير» رضي الله عنه : أن آدم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قال : يا ربّ ألم تخلقني بيدك بلا واسطة؟ قال : بلى قال : يا رب ألم تنفخ فيّ من روحك؟ قال : بلى. قال : ألم تسكني جنتك؟ قال : بلى. قال : يا ربّ ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال : بلى. قال يا رب إن تبت وأصلحت تردّني إلى الجنة؟ قال : بلى. فهو قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ)(٢).
وزاد السّدي فيه : يا ربّ هل كنت كتبت علي ذنبا؟ قال : نعم (٣).
وقال النّخعي : أتيت ابن عباس فقلت : ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه؟ قال : علّم الله آدم وحواء أمر الحجّ فحجا ، وهي الكلمات التي تقال في الحجّ ، فلما فرغا من الحجّ أوحى الله ـ تعالى ـ إليهما أني (٤) قبلت توبتكما.
وروي عن ابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، ومجاهد ، وقتادة في قوله تعالى : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٥) [الأعراف :
__________________
(١) انظر حجة القراءات : ٩٤ ، والحجة للقراء السبعة : ٢ / ٢٣ ، وإعراب القراءات : ١ / ٨٢ ، والعنوان : ٦٩ ، وشرح الطيبة : ٤ / ١٩ ، وشرح شعلة : ٢٦١ ، وإتحاف : ١ / ٣٨٨.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١ / ٥٤٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١١٦) وزاد نسبته للفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في «التوبة» وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١ / ٥٤٤).
(٤) في ب : بأني.
(٥) أخرجه الطبري (١ / ٥٤٣) في تفسيره عن أبي العالية. ـ