سمات التّفسير في تلك المرحلة
اتسم التفسير في تلك المرحلة بعدة سمات ، من أبرزها (١) :
* أنه اعتمد على التلقي والرواية ، وغلب على التلقي والرواية طابع الاختصاص ، فكان لكل بلد مدرسته وأستاذه ، فمكة أستاذها ابن عباس ، والمدينة أستاذها أبي بن كعب ، والعراق أستاذه ابن مسعود ... وهكذا.
* دخول أهل الكتاب في الإسلام كان سببا في تسلل الدخيل إلى علم التفسير ، وقد تساهل التابعون في النقل عنهم ـ فيما لا يتعلق بالأحكام الشرعية ـ بدون تحرّ ونقد ، وأكثر من روي عنه في ذلك من مسلمي أهل الكتاب :
عبد الله بن سلام ، كعب الأحبار ، وهب بن منبه ، وغيرهم.
* كان بدهيا أن يختلف التابعون في التفسير ، نظرا لتعددهم وكثرتهم واختلاف مدارسهم التي تخرجوا فيها ، ولكنه خلاف ليس بالكثير إذا ما قيس بالعصور اللاحقة.
* كما ظهرت نواة الخلاف المذهبي ، إذ ظهرت بعض التفسيرات تحمل في طياتها بذورا لتلك المذاهب ...
التّفسير في عصر التّدوين
تبدأ هذه المرحلة في أواخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسي. إذ انتشر التدوين بصورة واسعة ، وعني العرب «بتدوين كل ما يتصل بدينهم الحنيف ، فقد تأسست في كل بلدة إسلامية مدرسة دينية عنيت بتفسير الذكر الحكيم ، ورواية الحديث النبوي ، وتلقين الناس الفقه وشؤون التشريع. وكان كثير من المتعلمين في هذه المدارس يحرصون على تدوين ما يسمعونه ...» (٢).
تدوين التفسير : اختلف في أول من ألف تفسيرا «مكتوبا» ، فبعضهم يذكر أن «عبد الملك بن جريج» (٣) [ت ١٤٩ ه] هو أول من ألف تفسيرا مكتوبا ..
وذكر ابن النديم : أن أبا العباس ثعلب قال : كان السبب في إملاء كتاب الفراء في المعاني أن عمر بن بكير كان من أصحابه ، وكان منقطعا إلى الحسن بن سهل ، فكتب إلى الفراء : إن الأمير الحسن بن سهل ، ربما سألني عن الشيء بعد الشيء من القرآن فلا يحضرني فيه جواب ، فإن رأيت أن تجمع لي أصولا ، أو تجعل في ذلك كتابا أرجع إليه
__________________
(١) راجع : التفسير والمفسرون ١ / ١٣١ ، ١٣٢.
(٢) تاريخ الأدب العربي / العصر الإسلامي د. شوقي ضيف ٤٥٢.
(٣) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، أو أبو خالد ، أو أبو الوليد ، مولاهم ، من علماء مكة ومحدثيها ، ولد سنة ٨٠ ه ، توفي سنة ١٤٩ ه ، أول من صنف بالحجاز الكتب ، نقل عنه ابن جرير في تفسيره. راجع طبقات ابن سعد.