وقال المهدوي : «إما» هي «إن» التي للشرط زيدت عليها «ما» ليصحّ دخول «النّون» للتوكيد في الفعل ، ولو سقطت «ما» لم تدخل النّون ، و «ما» تؤكّد أول الكلام ، والنون تؤكد آخره ، وتبعه ابن عطية.
وقال بعضهم : هذا الذي ذهبا إليه من أن النّون لازمة لفعل الشرط إذا وصلت «إن» ب «ما» هو مذهب المبرّد والزّجّاج ، وليس في كلامهما ما يدلّ على لزوم «النّون» كما ترى ، غاية ما فيه أنهما اشترطا في صحّة تأكيده بالنون زيادة «ما» على «إن» ، أما كون التوكيد لازما ، وغير لازم ، فلم يتعرضا له ، وقد جاء تأكيد الشرط بغير «إن» ؛ كقوله : [الكامل]
٤١٧ ـ من يثقفن منهم فليس بآئب |
|
أبدا وقتل بني قتيبة شافي (١) |
و «مني» متعلق ب «يأتين» وهي لابتداء الغاية مجازا ، ويجوز أن تكون في محل حال من «هدى» لأنه في الأصل صفة نكرة قدم عليها ، وهو نظير ما تقدم في قوله : (مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) [البقرة : ٣٧]. و «هدى» فاعل ، والفاء مع ما بعدها من قوله : (فَمَنْ تَبِعَ) جواب الشرط الأول ، والفاء في قوله : (فَلا خَوْفٌ) جواب الثّاني. وقد وقع الشّرط الثاني وجوابه جواب الأول ، ونقل عن «الكسائي» أن قوله : «فلا خوف» جواب الشّرطين معا. قال «ابن عطية» بعد نقله عن «الكسائي» ذلك : هكذا حكي ، وفيه نظر ، ولا يتوجّه أن يخالف سيبويه هنا ، وإنما الخلاف في نحو قوله : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ) [الواقعة : ٨٨ ، ٨٩] فيقول سيبويه : جواب أحد الشرطين محذوف ، لدلالة قوله : «فروح» عليه.
ويقول الكوفيون : «فروح» جواب الشرطين ، وأما في هذه الآية ، فالمعنى يمنع أن يكون «فلا خوف» جوابا للشرطين.
وقيل : جواب الشرط الأوّل محذوف تقديره : «فإمّا يأتينكم منّي هدى فاتبعوه» ، وقوله: «فمن تبع» جملة مستقلة [وهو بعيد أيضا](٢).
فصل في المراد بالهدى
اختلف في «الهدى» فقال «السّدي» : كتاب الله ، وقال قوم : الهدى الرّسل ، وهذا
__________________
(١) البيت لبنت مرة بن عاهان ينظر خزانة الأدب : ١١ / ٣٨٧ ، ٣٩٩ ، والدرر : ٥ / ١٦٣ ، ولبنت أبي الحصين ينظر شرح أبيات سيبويه : ٢ / ٢٦٢ ، وأوضح المسالك : ٤ / ١٠٧ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٥٠٠ ، وشرح التصريح : ٢ / ٢٠٥ ، وشرح ابن عقيل : ص ٥٤٧ ، والكتاب : ٣ / ٥١٦ ، والمقتضب : ٣ / ١٤ ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٣٣٠ ، والمقرب : ٢ / ٧٤ ، وهمع الهوامع : ٢ / ٧٩ ، الدر المصون : ١ / ١٩٨.
(٢) سقط في ب.