فصل في لغات «حزن»
قال ابن الخطيب : قال اليزيدي : حزنه لغة «قريش» ، وأحزنه لغة «تميم» ، وحزن الرجل ـ بالكسر ـ فهو حزن وحزين ، وأحزن فهو محزون ، واحتزن وتحزّن بمعنى. وهذه الجملة مع اختصارها تجمع شيئا كثيرا من المعاني ؛ لأن قوله تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) دخل فيه الإنعام بجميع الأدلّة العقليّة ، والشرعية الواردات للبيان ، وجميع ما لا يتمّ ذلك إلّا به من العقل ، ووجوه التمكّن ، وجميع قوله : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) تأمل الأدلّة بنصّها والنظر فيها ، واستنتاج المعارف منها ، والعمل بها وجميع قوله : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) جميع ما أعدّ الله ـ تعالى ـ لأوليائه ؛ لأن زوال الخوف يتضمّن السّلامة من جميع الآفات ، وزوال الحزن يقتضي الوصول إلى كل اللّذّات والمرادات ، وقدم عدم الخوف على عدم الحزن ؛ لأن زوال ما لا ينبغي مقدّم على طلب ما ينبغي وهذا يدلّ على أن المكلّف الذي أطاع الله ـ تعالى ـ لا يلحقه خوف في القبر ، ولا عند البعث ، ولا عند حضور الموقف ، ولا عند تطاير الكتب ، ولا عند نصب الموازين ، ولا عند الصراط كما قال : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠٣] وقال قوم من المتكلّمين : إن أهوال القيامة كما تصل إلى الكفّار والفسّاق تصل إلى المؤمنين لقوله تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) [الحج : ٢] فإذا انكشفت تلك الأهوال ، وصاروا إلى الجنّة والرضوان صار ما تقدّم كأن لم يكن ، بل ربما كان زائدا في الالتذاذ بما يجده من النعيم ، وهذا ضعيف ؛ لأن قوله : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) أخص من قوله : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) ، والخاص مقدّم على العام.
فإن قيل : هذا يقتضي نفي الخوف والحزن مطلقا في الدنيا والآخرة ، وليس الأمر كذلك ؛ لأنهما حصلا في الدنيا للمؤمنين أكثر من حصولهما لغير المؤمنين قال عليه الصّلاة والسّلام : «خصّ البلاء بالأنبياء ، ثم الأولياء ثمّ الأمثل فالأمثل».
وأيضا فالمؤمن لا يمكنه القطع بأنه أتى بالعبادات كما ينبغي ، فخوف التقصير حاصل وأيضا فخوف سوء العاقبة حاصل.
قلنا : قرائن الكلام تدلّ على أنّ المراد نفيهما في الآخرة لا في الدنيا ، ولذلك حكى الله عنهم أنهم قالوا حين دخلوا الجنة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) [فاطر : ٢٤].
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٣٩)
لما وعد الله من اتبع الهدى بالأمن من العذاب والحزن عقبه بذكر من أعدّ له العذاب مثال الذين كفروا. و «الذين» مبتدأ وما بعدها صلة وعائد ، و «بآياتنا» متعلّق