فعلت ، فقال الفراء لأصحابه : اجتمعوا حتى أملي عليكم كتابا في القرآن ... فقال الفراء لرجل اقرأ بفاتحة الكتاب نفسرها ، ثم نوفي الكتاب كله ، فقرأ الرجل وفسر الفراء ، قال أبو العباس : «لم يعمل أحد قبله مثله ، ولا أحسب أن أحدا يزيد عليه» (١).
وبذلك يكون ابن النديم قد عد «الفراء» أول من ألف تفسيرا للقرآن مدوّنا.
ولكن ابن حجر يذكر أن التفسير المدون كان قبل الفراء وقبل ابن جريج إذ يقول (٢) :
«وكان عبد الملك بن مروان [ت ٨٦ ه] سأل سعيد بن جبير [ت ٩٥ ه] أن يكتب إليه بتفسير القرآن ، فكتب سعيد بهذا التفسير ، فوجده عطاء بن دينار في الديوان فأخذه فأرسله عن سعيد بن جبير».
ويبدو أنه من الصعب تحديد أول من فسر القرآن تفسيرا مدونا على تتابع آياته وسوره كما في المصحف.
أقسام التّفسير
وظل الخلف يحمل رسالة السلف جيلا بعد جيل حتى وصلت مسيرة التفسير إلى تابعي التابعين ، وهنا تعددت اتجاهات التفسير إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية هي :
أولا ـ الاتجاه الأثري (التفسير بالمأثور)
والمأثور : اسم مفعول من أثرت الحديث أثرا : والأثر اسم منه ، وحديث مأثور : أي منقول(٣).
وعلى ذلك فهو يشمل المنقول عن الله تبارك وتعالى ـ في القرآن الكريم ـ ، والمنقول عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، والمنقول عن الصحابة ، والمنقول عن التابعين.
وجلّ الذين يكتبون عن تاريخ التفسير ويتحدثون عن الاتجاه الأثري يبدأونه بالطبري فيقطعون بذلك اتصال سلسلة التطور في الأوضاع التفسيرية بين القرن الأول والقرن الثالث بإضاعة الحلقة من تلك السلسلة التي تمثل منهج التفسير في القرن الثاني ، لأن تفسير ابن جرير الطبري ألف في أواخر القرن الثالث ، وصاحبه توفي في أوائل القرن الرابع ... وبالوقوف على هذه الحلقة ـ وهي إفريقية تونسية ـ يتضح كيف تطور فهم التفسير عما كان عليه في عهد ابن جريج ، إلى ما أصبح عليه في تفسير الطبري ، ويتضح لمن كان الطبري مدينا له بذلك المنهج الأثري النظري الذي درج عليه في تفسيره العظيم ...
«ذلك التفسير هو أقدم التفاسير الموجودة اليوم على الإطلاق ، ويعد صاحبه مؤسس
__________________
(١) الفهرست ص ٩٩.
(٢) تهذيب التهذيب ٧ / ١٩٨.
(٣) المصباح المنير (أثر) ، الإسرائيليات والموضوعات (أبو شهبة ص ٦٤).