وقد كثر في عهده الحروب بين المماليك والعثمانيين ، والتي انتهت بعقد الصلح بين الفريقين.
وأخيرا مرض قايتباي بعد فترة حكم طويلة ، ودخل سياق الوفاة ، فتنازل لابنه الناصر محمد عن السلطنة ، ثم توفي الأشرف قايتباي في اليوم التالي من تنازله ، وذلك سنة ٩٠١ ه (١).
ومعنى هذا أن صاحبنا الإمام ابن عادل قد توفي في عهد السلطان قايتباي الذي قدمنا نبذة عن أعماله وأعمال سابقيه ممن نظن احتمال معاصرتهم لشيخنا المترجم له.
نبذة حول الموقف في بلاد الشام خلال عصر المماليك الجراكسة :
لم تكن الشام في عصر المماليك مجرد إقليم من الأقاليم التابعة للدولة ، بل كانت أهم من ذلك ، فقد كانت بلاد الشام الجناح الأيمن الذي بدونه يتعذر على دولة المماليك الاحتفاظ بكيانها وتوازنها ، والثبات في وجه الأخطار الآسيوية الضخمة ، التي هددت تلك الدولة جنبا من جانب الأيوبيين والتتار والصليبيين ، وأحيانا من جانب الأرمن والتركمان ثم العثمانيين (٢).
وقد حاول سلاطين المماليك السيطرة على هذا الإقليم الهام ، وربطه بوحدة مع إقليمهم الأم مصر ـ تضمن لهم مراقبة ما يحدث فيه من منازعات تؤثر في كيانهم.
ولقد استمرت بلاد الشام ـ على تتابع السلاطين الجراكسة ـ مسرحا لكثير من الثورات والحركات التي قام بها في كثير من الأحيان المماليك أنفسهم متمثلين في بعض الأمراء الطامعين في الانفصال بالسيطرة على هذا الإقليم والانفراد به.
ومهما يكن من أمر ، فإن قيام بعض الحركات في الشام لمساندة سلطان أو عزل آخر لا ينبغي أن تجعلنا ننسى إطلاقا المساعدات القيمة التي أمدت بها نيابات الشام مصر في أوقات الحرج أثناء حروبها الطويلة ضد الصليبيين والتتار (٣).
الجراكسة وتيمور لنك :
لقد مني العالم الإسلامي بكثير من الكوارث والمحن وتداعي الأمم عليه ، ومن ذلك ما حدث من زحف التتار الغاشم على بلاده وتحطيمه لكل ما يقابله ؛ يتمثل ذلك في الزلزال الذي هز العالم الإسلامي بسقوط الخلافة الإسلامية في بغداد سنة ٦٥٦ ه.
ولقد كان تيمور لنك من توابع ذلك الزلزال ، وأثرا من آثاره ، فقد كان تيمور ينتمي إلى بيت من أشراف التتار ، بنى له جيشا عظيما ، واتخذ سمرقند مسقط رأسه قاعدة لانتشار أعماله التخريبية ، ولم يلبث أن استولى على بلاد ما وراء النهر حتى زحف إلى بغداد في
__________________
(١) ينظر : ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة ١٦ / ٣٩٥ ، وابن الغزي : الكواكب السائرة ١ / ٢٩٨ ، وابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب ٨ / ٧ ، وابن إياس : بدائع الزهور ٣ / ٣٣٤.
(٢) ينظر : د. سعيد عاشور : العصر المماليكي ص ٢٢٧.
(٣) السابق ص ٢٣٢.