نقول : هذه القراءة إمّا أن تكون منقولة بالتواتر ، أو لا.
__________________
ـ بالالتزام ، حتى بلغ القدر المشترك من تلك الوقائع المتعددة مبلغ التواتر ، فإنه حينئذ يكون متواترا تواترا معنويّا؟ لا خلاف في ذلك.
وعلى ذلك فالتواتر ثلاثة أقسام :
١ ـ تواتر لفظي لا شك فيه : كالقرآن الكريم.
٢ ـ تواتر معنوي لا شك فيه : كما إذا تعددت الوقائع ، واشتركت جميعها في معنى تضمني ، أو التزامي.
٣ ـ أمّا إذا اتحدت الواقعة ، وتعددت روايتها بألفاظ مختلفة ، وأساليب متغايرة ، واتفقت في المعنى المطابقي ، وبلغت في تتابعها وتعددها حد المتواتر ، كان متواترا تواترا لفظيّا.
وعلى ذلك ينقسم المتواتر إلى قسمين : لفظي ، ومعنوي ، وينقسم «اللفظي» إلى قسمين ، كما ينقسم «المعنوي» إلى قسمين أيضا ، وعلى هذا فالمتواتر أربعة أقسام :
١ ـ أن يتواتر اللفظ والأسلوب في الواقعة الواحدة.
٢ ـ أن تتواتر الواقعة الواحدة بألفاظ مترادفة ، وأساليب كثيرة متغايرة ، متفقة على إفادة المعنى المطابقي للواقعة الواحدة.
٣ ـ أن يتواتر المعنى التضمني في وقائع كثيرة.
٤ ـ أن يتواتر المعنى الالتزامي في وقائع كثيرة.
ولهذه الأقسام أمثلة كثيرة ذكرها المحدثون في كتب الاصطلاح ، فلتنظر من هناك.
وأما حكم المتواتر : ذهب جمهور العلماء إلى أن المتواتر يفيد العلم ضرورة ، بينما خالف في إفادته العلم مطلقا السّمنيّة والبراهمة.
وخالف في إفادته العلم الضروري الكعبي وأبو الحسين من المعتزلة ، وإمام الحرمين من الشافعية ، وقالوا : إنه يفيد العلم نظرا.
وذهب المرتضى من الرافضة ، والآمدي من الشافعية إلى التوقف في إفادته العلم ، هل هو نظري أو ضروري؟.
وقال الغزالي : إنه من قبيل القضايا التي قياساتها معها ، فليس أوليّا ، وليس كسببيّا.
واحتج الجمهور أنه ثابت بالضرورة ، وإنكاره مكابرة وتشكيك في أمر ضروري ؛ فإنا نجد من أنفسنا العلم الضروري بالبلدان البعيدة ، والأمم السالفة ، كما نجد العلم بالمحسوسات لا فرق بينها فيما يعود إلى الجزم ، وما ذاك إلا بالإخبار قطعا.
ولو كان نظريّا لافتقر إلى توسّط المقدمتين في إثباته ، واللازم باطل ، لأننا نعلم قطعا علمنا بالمتواترات من غير أن نفتقر إلى المقدمات وترتيبها.
كما أنه لو كان نظريّا ، لساغ الخلاف فيه ككل النظريات ، واللازم باطل.
فثبت مما تقدم أن المتواتر يفيد العلم ، وأن العلم به ضروري كسائر الضروريات.
ينظر : البحر المحيط للزركشي : ٤ / ٢٣١ ، والبرهام لإمام الحرمين : ١ / ٥٦٦ ، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي : ٢ / ١٤ ، ونهاية السول للإسنوي : ٣ / ٥٤ ، ومنهاج العقول للبدخشي : ٢ / ٢٩٦ ، وغاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري : ٩٥ ، والتحصيل من المحصول للأرموي : ٢ / ٩٥ ، والمنخول للغزالي : ٢٣١ ، والمستصفى له : ١ / ١٣٢ ، وحاشية البناني : ٢ / ١١٩ ، والإبهاج لابن السبكي : ٢ / ٢٦٣ ، والآيات البينات لابن قاسم العبادي : ٣ / ٢٠٦ ، وحاشية العطار على جمع الجوامع : ٢ / ١٤٧ ، والمعتمد لأبي الحسين : ٢ / ٨٦ ، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم : ١ / ١٠١ ، وتيسير التحرير ـ