قوله : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي : أضروا بأنفسهم ، وأوسعوا في نقصان خيراتهم في الدين والدنيا.
و «الرجز» : هو العذاب.
فصل في لغات الرجز
وفيه لغة أخرى وهي ضمّ الراء ، وقرىء (١) بهما.
وقيل : المضموم اسم صنم ، ومنه : (وَالرُّجْزَ) [المدثر : ٥]. والرّجز والرّجس بالزاي والسين ـ بمعنى ك : السّدغ والزّدغ.
والصحيح أن الرّجز : القذر ، والرّجز : ما يصيب الإبل ، فترتعش منه ، ومنه : بحر الرّجز في الشّعر.
قوله : (مِنَ السَّماءِ) يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون متعلقا ب «أنزلنا» و «من» لابتداء الغاية ، أي : من جهة السماء ، وهذا الوجه هو الظاهر.
والثاني : أن يكون صفة ل «رجزا» فيتعلّق بمحذوف ، و «من» أيضا للابتداء.
وقوله : (عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) فأعادهم بذكرهم أولا ، ولم يقل : «عليهم» تنبيها على أن ظلمهم سبب في عقابهم ، وهو من إيقاع الظاهر موقع المضمر لهذا الغرض ، وإيقاع الظاهر موقع المضمر على ضربين : ضرب يقع بعد تمام الكلام كهذه الآية ، وقول الخنساء : [المتقارب]
٥١٨ ـ تعرّقني الدّهر [نهسا](٢)وحزّا |
|
[وأوجعني](٣) الدّهر قرعا وغمزا (٤) |
أي : أصابتني نوائبه جمع.
وضرب يقع في كلام واحد ؛ نحو قوله : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١ ، ٢].
وقول الآخر : [الكامل]
٥١٩ ـ ليت الغراب غداة ينعب دائبا |
|
كان الغراب مقطّع الأوداج (٥) |
__________________
(١) والضم قراءة ابن محيصن ، وهي لغة في «الرّجز».
انظر البحر المحيط : ١ / ٣٨٧ ، والدر المصون : ١ / ٢٣٥ ، والمحرر الوجيز : ١ / ١٤١ ، والقرطبي : ١ / ٢٨٣ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٩٤.
(٢) في أ : نهشا.
(٣) في أ : وأفجعني.
(٤) ينظر الديوان : (١٤٣) ، أمالي الشجري : (١ / ٢٤١) ، الحماسة الشجرية : (١ / ٣٢٣) ، القرطبي : (١ / ٢٨٣) ، الدر المصون : (١ / ٢٣٥).
(٥) البيت لجرير. ينظر ديوانه وروايته فيه : ينعب بالنوى ... (١ / ١٣٦) ، الطبري : ٢ / ٣٩٦ ، الأمالي الشجرية : ١ / ٢٤٣ ، الدر المصون : ١ / ٢٣٥ ، القرطبي : ١ / ٢٨٣.