وقد جمع عدي بن زيد المعنيين فقال : [الخفيف]
٥٢٠ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (١) |
قوله : (بِما كانُوا) متعلّق ب «أنزلنا» و «الباء» للسببية ، و «ما» يجوز أن تكون مصدرية ـ وهو الظّاهر ـ أي : بسبب فسقهم ، وأن تكون موصولة اسمية ، والعائد محذوف على التدريج المذكور في غير موضع ، والأصل : يفسقونه ، ولا يقوى جعلها نكرة موصولة.
وقرأ (٢) «ابن وثّاب» (٣) : «يفسقون» بكسر السين ، وتقدم أنهما لغتان.
فصل في تفسير الظلم
قال أبو مسلم : هذا الفسق هو الظلم المذكور في قوله : (عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) وفائدة التكرار التأكيد.
قال ابن الخطيب : والحق أنه غيره ؛ لأن الظلم قد يكون من الصّغائر ، ولذلك قال
__________________
(١) كرر الموت في مواضع البيت ؛ تهويلا وتعظيما للموت ، فأقام الظاهر موضع الضمير الرابط ، والأصل : لا أرى الموت يسبقه شيء ، وأما قوله : «نغص الموت» ففيه أيضا إقامة الظاهر مقام الضمير ، لكن لا للربط ، ويجوز مثله إذا كان في جملة مستأنفة.
ووضع الظاهر موضع المضمر فيه قبح ، إذا كان تكريره في جملة واحدة ، فلا يكاد يجوز إلا في ضرورة ، وكان مقصودا به التهويل والتعظيم ، فيجوز قياسا في الشعر ؛ بشرط أن يكون بلفظ الأول كما سبق أن وضحناه في الشاهد السابق ، ومنع بعضهم في غير التفخيم مطلقا ، ولا وجه له مع وروده.
ويقول السيرافي ما ملخصه : اعلم أن الاسم الظاهر متى احتيج إلى تكريره في جملة واحدة ، كان الاختيار ذكر ضميره ، نحو : زيد ضربته ، وزيد ضربت أباه ، وزيد مررت به ، ويجوز إعادة لفظه بعينه في موضع كنايته ، أما إذا أعدت لفظه في جملة أخرى ، فذلك جائز حسن ، نحو قوله تعالى : (قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) والله أعلم ، ومن إعادة الظاهر في جملة واحدة قولك : ما زيد ذاهبا ولا محسنا زيد ، والمختار : ولا محسنا هو بالضمير ؛ ولذلك كان رفع «محسن» أجود ؛ حتى تكون جملة أخرى.
ينظر ديوانه : ص ٦٥ ، ولسوادة بن عدي في شرح أبيات سيبويه : ١ / ١٢٥ ، الأشباه والنظائر : ٨ / ٣٠ ، خزانة الأدب : ١ / ٣٧٨ ، ٣٧٩ ، شرح ديوان الحماسة للمرزوقي : ص ٣٦ ، شرح شواهد المغني : ٢ / ١٧٦ ، الكتاب : ١ / ٦٢ ، ولسوادة أو لعدي في لسان العرب (نغص) ، شرح جمل الزجاجي : ١ / ٥٦٢ ، وأمالي ابن الحاجب : ١ / ١٥٣ ، ٢٨٦ ، ٢ / ٨٢٩ ، الخصائص : ٣ / ٥٣ ، مغني اللبيب : ٢ / ٥٠٠ ، يس : ١ / ١٦٥ ، الكافية : ١ / ٩٢ ، القرطبي : ١ / ٢٨٣ ، والدر المصون : ١ / ٢٣٥.
(٢) وهي قراءة النخعي والأعمش.
انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٥١ ، والبحر المحيط : ١ / ٣٨٧ ، الدر المصون : ١ / ٢٣٦ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٩٤ ، والقرطبي : ١ / ٢٨٣.
(٣) يحيى بن وثاب الأسدي بالولاء الكوفي : إمام أهل الكوفة في القرآن تابعي ثقة ، قليل الحديث ، من أكابر القراء ، له خبر طريف مع الحجاج : كان يحيى يؤم قومه في الصلاة ، وأمر الحجاج ألّا يؤم بالكوفة إلا عربي فقيل له اعتزل فبلغ الحجاج فقال : ليس عن مثل هذا نهيت. فصلى بهم يوما ثم قال : اطلبوا إماما غيري إنما أردت ألّا تستذلوني ، فإذا صار الأمر إلي فلا أؤمكم.
ينظر الأعلام : ٨ / ١٧٦ (١٦١٣) ، تهذيب التهذيب : ١١ / ٢٩٤ ، غاية النهاية : ٢ / ٣٨٠ ، النجوم : ١ / ٢٥٢.