وقيل : لما كان عين الحيوان أشرف ما فيه شبّهت به عين الماء ؛ لأنها أشرف ما في الأرض.
قوله : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) [الأعراف : ٨٢] قد تقدّم الكلام على أنّ «أناس» أصل «النّاس». وقال الزمخشري في سورة «الأعراف» : «إنه اسم جمع غير تكسير» ، ثم قال : «ويجوز أن يكون الأصل الكسر ، والتكسير ، والضمة بدل من الكسرة ، كما أبدلت في سكارى» من الفتحة وسيأتي البحث معه إن شاء الله تعالى.
قوله : (مَشْرَبَهُمْ) مفعول ل «علم» بمعنى «عرف» ، و «المشرب» ـ هنا ـ موضع الشّرب ؛ لأنه روي أنه كان لكل سبط عين من اثنتي عشرة عينا ، لا يشاركه فيها سبط غيره.
وقيل : هو نفس المشروب ، فيكون مصدرا واقعا موقع المفعول به ، وضمير الجمع في قوله: (مَشْرَبَهُمْ) يعود على معنى «كلّ أناس».
فصل في بيان أن الاستسقاء كان في التّيه
قال جمهور المفسرين : هذا الاستسقاء كان في التّيه ؛ لأن الله ـ تعالى ـ لما ظلّل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المنّ والسّلوى ، وجعل ثيابهم بحيث لا تبلى ، ولا تتّسخ خافوا العطش ، فأعطاهم الله الماء من ذلك الحجر ، وأنكر أبو مسلم ذلك وقال : بل هو كلام مفرد بذاته ، ومعنى الاستسقاء طلب السّقيا من المطر على عادة الناس إذا [أقحطوا] ، ويكون ما فعله الله من تفجير الحجر بالماء فوق الإجابة بالسّقيا ، [وإنزال الغيث].
[وقال ابن الخطيب :](١) وليس في الآية ما يدلّ على أحد القولين ، وإن كان الأقرب أن ذلك وقع في التّيه ؛ لأن المعتاد في البلاد الاستغناء عن طلب الماء إلا في النّادر ، وأيضا روي أنهم كانوا يحملون الحجر معهم ؛ لأنه صار معدّا لذلك ، [فكما كان](٢) المنّ والسّلوى ينزلا في كل غداة ، فكذلك الماء يتفجّر لهم في كل وقت ، وذلك لا يليق إلا بأيّامهم في التّيه.
فصل في جنس الشجرة
اختلفوا في العصا ، فقال الحسن : كانت عصا أخذها من بعض الأشجار وقيل : كانت من آس الجنّة طولها عشرة أذرع على طول موسى ، ولها شعبتان تتّقدان في الظلمة ، واسمه عليق ، وكان آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ حمله معه من الجنّة إلى الأرض ، فتوارثه صاغرا عن كابر حتى وصل إلى شعيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ فأعطاه لموسى عليه الصلاة والسلام.
والذي ينبغي أن يقال : إنها كانت بمقدار يصحّ أن يتوكّأ عليها ، وأن تنقلب حيّة عظيمة ، وما زاد على ذلك لا دليل عليه.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : فكلما نزل.