فأدخل يده فيه ، فلقد رأيت الماء يتفجّر من بين أصابعه ، ويقول : «حي على الطّهور» (١).
قال الأعمش : حدثني سالم بن أبي الجعد ، قال : قلت لجابر : كم كنتم يومئذ؟ قال : ألفا وخمسمائة. لفظ النّسائي.
فصل في وجوه الإعجاز في انفجار الحجر
والحكمة في جعل الماء اثنتي عشرة عينا قطع التنازع والتّشاجر بينهم ، وهذا الانفجار يدلّ على الإعجاز من وجوه.
أحدها : أن نفس ظهور الماء معجزة.
وثانيها : خروج الماء العطيم من الحجر الصغير.
وثالثها : خروج الماء بقدر حاجتهم.
ورابعها : خروج الماء عند الضّرب بالعصا.
وخامسها : خروج الماء بالضّرب بعصا معينة.
وسادسها : انقطاع الماء عند الاستغناء عنه ، فهذه الوجوه لا يمكن تحصيلها إلا بقدرة تامة في كل الممكنات ، وعلم نافذ في جميع المعلومات.
قوله : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) هاتان الجملتان في محلّ نصب بقول مضمر تقديره : وقلنا لهم : كلوا واشربوا. وقد تقدّم تصريف «كل» وما حذف منه.
قوله : (مِنْ رِزْقِ اللهِ) هذه من باب الإعمال ؛ لأن كلّ واحد من الفعلين يصحّ تسلّطه عليه ، وهو من باب إعمال الثاني للحذف من الأول. والتقدير : كلوا منه.
و «من» يجوز أن تكون لابتداء الغاية ، وأن تكون للتبعيض ، ويجوز أن يكون مفعول الأكل محذوفا ، وكذلك مفعول الشرب ؛ للدلالة [عليهما](٢) ، والتقدير : كلوا المنّ والسّلوى لتقدمهما في قوله : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) [البقرة : ٥٧] ، واشربوا ماء العيون المتفجّرة. وعلى هذا فالجار والمجرور يحتمل تعلّقه بالفعل قبله ، ويحتمل أن يكون حالا من ذلك المفعول المحذوف ، فيتعلّق بمحذوفه.
وقيل : المراد بالرّزق الماء وحده ، ونسب الأكل إليه لما كان سببا في نماء ما يؤكل وحياته ، فهو رزق يؤكل منه ويشرب. والمراد بالرزق المرزوق ، وهو يحتمل أن يكون من باب «ذبح ورعي» ، وأن يكون من باب «درهم ضرب الأمير» وقد تقدم بيانه.
فإن قيل : قوله : (مِنْ رِزْقِ اللهِ) يفهم منه أن ثمّ رزقا ليس لله ، وذلك باطل.
__________________
(١) أخرجه النسائي (١ / ٦٠) ، وأحمد (١ / ٤٦٠) والدارمي (١ / ١٥) وابن خزيمة (٢٠٤) وابن أبي شيبة (١١ / ٤٧٤) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٤ / ١٢٩).
(٢) في ب : عليها.