فالجواب : من [وجوه](١) :
[أحدها : أن هذا مفهوم لقب ؛ فلا يدل](٢).
الثاني : أن هذا رزق لم تعمل فيه أيديهم بحرث ولا غيره ، فهو خالص أرسله الله إليهم.
الثالث : أن إضافته إلى الله ـ تعالى ـ إضافة تشريف لكونه أشرف ما يؤكل ، وما يشرب ؛ لأنه تسبّب عن معجز خارق للعادة.
فصل في كلام المعتزلة
واحتجّت المعتزلة بهذه الآية على أن الرزق هو الحلال قالوا : لأن أقل درجات قوله : كلوا واشربوا الإباحة ، فهذا يقتضي كون الرزق مباحا ، فلو وجد رزق حرام لكان ذلك الرزق مباحا وحراما ، وإنه غير جائز.
قوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
أصل «تعثوا» : «تعثيوا» ، فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت ، فالتقى ساكنان فحذف الأول منهما وهو الياء ، أو لما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فالتقى ساكنان ، فحذفت الألف ، وبقيت الفتحة تدل عليها. وهذا أولى ، فوزنه «تفعون».
و «العثيّ» و «العيث» : أشد الفساد وهما متقاربان.
وقال بعضهم : «إلا أنّ العيث أكثر ما يقال فيما يدرك حسّه ، والعثيّ فيما يدرك حكما ، يقال : عثي يعثى عثيّا ، وهي لغة القرآن ، وعثا يعثو عثوّا ، وعاث يعيث عيثا».
وليس «عاث» مقلوبا من «عثي» ك «جبذ وجذب» لتفاوت معنييهما كما تقدم.
ويحتمل ذلك ، ثم اختصّ كل واحد بنوع ، ويقال : عثي ـ يعثى ـ عثيّا ـ ومعاثا ، وليس «عثي» أصله «عثو» فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، ك «رضي» من الرّضوان ، لثبوت العثيّ ، وإن توهّم بعضهم ذلك.
ويقال : عثّ يعثّ مضافا أي : فسد ، قال ابن الرّقاع : [الكامل]
٥٢٦ ـ لولا الحياء وأنّ رأسي قد عثا |
|
فيه المشيب لزرت أمّ القاسم (٣) |
ومنه : العثّة : [سوسة](٤) تفسد الصّوف.
__________________
(١) في ب : وجهين.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر ديوانه : ص ٩٩ ، والأغاني : ٣ / ٣٧٤ ، ٩ / ٣٠٤ ، ٣٠٧ ، وأمالي المرتضى : ١ / ٥١١ ، وسمط اللآلي : ص ٥٢١ ، وشرح التصريح : ١ / ٢١٤ ، وشرح شواهد المغني : ١ / ٤٩٢ ، والشعر والشعراء : ٢ / ٦٢٤ ، ولسان العرب (جسم) ، (عتا) ، ومعجم البلدان : ٢ / ٩٤ (جاسم) ، ومغني اللبيب : ١ / ١٧٣ ، اللامات : ص ١٢٩
(٤) في أ : دورة.