وأما «عتا» بالتاء المثنّاة من فوق فهو قريب من معناه ، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
و «مفسدين» حال من فاعل «تعثوا» وهي حال مؤكدة ؛ لأن معناها قد فهم من عاملها ، وحسن ذلك اختلاف اللفظين ، ومثله : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة : ٢٥] ، هكذا قالوا. ويحتمل أن تكون حالا مبينة ؛ لأن الفساد أعم ، والمعنى أخص ، ولهذا قال الزمخشري : فقيل لهم لا تتمادوا في الفساد في حال فسادكم ؛ لأنهم كانوا متمادين فيه. فغاير بينهما كما ترى.
و «في الأرض» يحتمل أن يتعلّق ب «تعثوا» وهو الظاهر ، وأن يتعلّق ب «مفسدين». والمراد بالأرض : عموم الأرض [لا](١) أرض التّيه.
والمراد بالفساد ـ هاهنا ـ هو قوله في سورة طه : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) [طه : ٨١].
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ)(٦١)
«لن نصبر» ناصب منصوب ، والجملة في محلّ نصب بالقول ، وتقدم الكلام على «لن».
قوله : (طَعامٍ واحِدٍ ،) وإنما كان طعامين هما : المنّ والسّلوى ؛ لأن المراد بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدّل ، فأريد بالوحدة نفي التبديل لا الاختلاف ، أو لأنهما ضرب واحد ؛ لأنهما من طعام أهل التلذّذ والترف ، ونحن أهل زراعات لا نريد إلا ما ألفناه من الأشياء المتفاوتة ، أو لأنهم كانوا يأكلون أحدهما بالآخر ، أو لأنهما كانا يؤكلان في وقت واحد.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كانوا يعجنون المنّ والسّلوى ، فيصير طعاما واحدا.
وقيل : لأن العرب تعبّر عن الاثنين بلفظ الواحد ، وبلفظ الواحد عن الواحد ، كقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] ، وإنما يخرجان من الملح دون العذب.
قال ابن الخطيب (٢) : ليس المراد أنه واحد في النوع ، بل إنه واحد في المنهج ،
__________________
(١) في أ : وقيل.
(٢) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ٩٣.