«فرغا» حال من «بقتل» ، وأيضا فهذه «اللام» زائدة ، فهي في حكم المطرح ، و «مصدقا» حال مؤكّدة ؛ لأنه لا تكون إلا كذلك.
والظاهر أن «ما» بمعنى «الذي» وأن «مصدقا» حال من عائد الموصول ، وأن اللّام في «لما» مقوية لتعدية «مصدقا» ل «ما» الموصولة بالظّرف.
فصل في بيان المخاطبين في الآية
اعلم أن المخاطبين بقوله : (وَآمِنُوا) هم بنو إسرائيل لعطفه على قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ ،) ولقوله : (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ).
وقوله : (بِما أَنْزَلْتُ) فيه قولان :
أحدهما : أنه القرآن ؛ لأنه وصفه بكونه منزلا ، وبكونه مصدقا لما معهم.
والثاني : قال قتادة : بما أنزلت من كتاب ورسول تجدونه مكتوبا في التّوراة ، والإنجيل.
ومن جعل «ما» مصدرية قدّرها ب «إنزالي لما معكم» يعني : التوراة.
وقوله : (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) فيه تفسيران :
أحدهما : أن في القرآن أنّ موسى وعيسى حقّ ، والتوراة والإنجيل حقّ ، فالإيمان بالقرآن مؤكّد للإيمان بالتوراة والإنجيل.
والثاني : أنه حصلت البشارة بمحمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وبالقرآن في التوراة والإنجيل ، فكان الإيمان بالقرآن ، وبمحمد تصديقا للتوراة والإنجيل ، وتكذيب محمد والقرآن تكذيب للتوراة والإنجيل.
قال ابن الخطيب (١) : وهذا التفسير يدلّ على نبوة محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ من وجهين :
الأول : أن شهادة كتب الأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ لا تكون إلا حقّا.
والثاني : أنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ لم يقرأ كتبهم ، ولم يكن له معرفة بذلك إلّا من قبل الوحي.
قوله : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ).
«أول» خبر كان ، وفيه أربعة أقوال :
أحدها ـ وهو مذهب سيبويه ـ : أنه «أفعل» ، وأن فاءه وعينه واو ، وتأنيثه «أولى» ، وأصلها : «وولى» ، فأبدلت الواو همزة وجوبا ، وليست مثل «ووري» في عدم قلبها
__________________
(١) ينظر الرازي : ٣ / ٣٩.