وقال أبو البقاء (١) : ولزم حذف الخبر للعلم به ، وطول الكلام ، فإن وقعت «أن» بعدها ظهر الخبر كقوله : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) [الصافات : ١٤٣] فالخبر في اللّفظ ل «أن» ، وهذا الّذي قاله موهم ، ولا تعلّق لخبر «أن» بالخبر المحذوف ، ولا يغني عنه ألبتة فهو كغيره سواء ، والتقدير : فلولا كونه مسبحا حاضر أو موجود. فأي فائدة في ذكره لهذا؟ [والخبر](٢) يجب حذفه في صور أخرى تأتي مفصّلة إن شاء الله ـ تعالى ـ في مواضعها ، وقد تقدم معنى الفضل عند قوله : (فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [البقرة : ٤٧].
قوله : (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) اللّام جواب «لو لا» ، واعلم أن جوابها إن كان مثبتا ، فالكثير دخول اللام كهذه الآية ونظائرها ، ويقلّ حذفها ؛ قال : [البسيط]
٥٦٢ ـ لو لا الحياء ولو لا الدّين عبتكما |
|
ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري (٣) |
وإن كان منفيّا فلا يخلو : إما أن يكون حرف النّفي «ما» أو غيرها ، إن كان غيرها فترك اللام واجب نحو : «لو لا زيد لم أقم ، ولن أقوم» ، لئلا يتوالى لامان ، وإن كان ب «ما» فالكثير الحذف ، ويقلّ الإتيان بها ، وهكذا حكم جواب «لو» الامتناعية ، وقد تقدم عند قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) [البقرة : ٢٠] ، ولا محلّ لجوابها من الإعراب.
و «من الخاسرين» في محلّ نصب خبر «كان» ، و «من» للتبعيض.
فصل في تفسير فضل الله عليهم
ذكر القفّال في تفسيره وجهين :
الأول : لو لا تفضل الله عليكم من إمهالكم ، وتأخير العذاب عنكم لكنتم من الخاسرين ، أي من الهالكين [الذين باعوا أنفسهم بنار جهنم](٤) ، ومنه قوله تعالى : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) [الحج : ١١].
والثاني : أن يكون الخبر قد انتهى عند قوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ،) ثم قال : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) رجوعا بالكلام إلى أوله ، أي : لو لا لطف الله ـ تعالى ـ بكم برفع الجبل فوقكم لدمتم على ردّكم الكتاب ولكنه تفضل عليكم ورحمكم ولو لا ذلك لكنتم من الخاسرين ببقائكم على تلك الحالة حتى يتم.
فإن قيل : كلمة «لو لا» تفيد انتفاء الشيء لوجود غيره ، فهذا يقتضي أن انتفاء
__________________
(١) ينظر الاملاء : ١ / ٤١.
(٢) في ب : والجر.
(٣) البيت لابن مقبل ينظر ديوانه : ص ٧٦ ، الدرر : ٥ / ١٠٤ ، لسان العرب (بعض) ، الشعر والشعراء : ١ / ٤٦٣ ، الجنى الداني : ص ٥٩٨ ، رصف المباني : ص ٢٤٢ ، همع الهوامع : ٢ / ٦٧ ، والدر المصون : ١ / ٢٥٠.
(٤) في أ : وقيل : المغلوبين.