ومنه قولهم : سبت رأسه أي : حلقه.
وقال الزمخشري : «والسّبت مصدر [سبتت] اليهود : إذا عظمت يوم السبت». وفيه نظر ، فإنّ هذا اللفظ موجود ، واشتقاقه مذكور في لسان العرب قبل فعل اليهود ذلك ، اللهم إلا [أن](١) يريد هذا السبت الخاصّ المذكور في هذه الآية.
والأصل فيه المصدر كما ذكرت ، ثم سمي به هذا اليوم من الأسبوع ، لاتفاق وقوعه فيه كما تقدم أن خلق الأشياء تمّ وانقطع ، وقد يقال : يوم السبت فيكون مصدرا.
وإذا ذكر معه «اليوم» ، أو مع ما أشبهه من أسماء الأزمنة مما يتضمّن عملا وحدثا جاز نصب «اليوم» ، ورفعه ، نحو : «اليوم الجمعة» ، «اليوم العيد» كما يقال : «اليوم الاجتماع والعود».
فإن ذكر مع «الأحد» وأخواته وجب الرفع على المشهور ، وتحقيقها مذكور في [كتب] النحو.
فصل في قصة عدوانهم بالصيد
روي عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال : هؤلاء القوم كانوا في زمان داود ـ عليه الصلاة والسلام ـ ب «أيلة» على ساحل البحر بين «المدينة» و «الشام» وهو مكان يجتمع إليه الحيتان من كل أرض في شهر من السّنة حتى لا يرى الماء لكثرتها ، وفي غير ذلك الشهر في كل سبت يجتمعون هناك حتى يخرجن بخراطيمهن من الماء لأمنها ، فإذا مضى يوم السّبت تفرقن ، ولزمن قعر البحر فذلك قوله : (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) [الأعراف : ٦٣] فعمد رجال فحفروا حياضا عند البحر ، وشرعوا إليها الجداول ، فإذا كانت عشية يوم الجمعة فتحوا تلك الجداول ، فكانت الحيتان تدخل إلى الحياض ، فلا تطيق الخروج منها لبعد عمقها ، وقلّة الماء ، فيأخذونها يوم الأحد.
وقيل : كانوا ينصبون الحبائل والشّصوص يوم الجمعة ، ويخرجونها يوم الأحد ، وذلك هو اعتداؤهم ، ففعلوا ذلك زمانا واشتغلوا وهم خائفون من العقوبة ، فلما طال العهد ، ولم تنزل عقوبة قست قلوبهم [وتجرءوا](٢) على الذنب فاستنّ الأبناء بسنّة الآباء ، واتخذوا الأموال ، وقالوا : ما نرى السبت إلّا وقد أحل لنا ، فمشى إليهم طوائف من أهل المدينة الذين كرهوا الصيد في السبت ، ونهوهم عن ذلك فلم ينتهوا ، وقالوا : نحن في هذا العمل منذ زمان ، فما زادنا الله به إلا عزّا فقيل لهم : لا تفتروا فربما نزل بكم العذاب ، فانقسموا ثلاثة أصناف : صنف أمسك وانتهى ، وصنف ما أمسك ولم ينته ،
__________________
(١) في ب : أمد.
(٢) في ب : تجروا.