عن أبي جعفر [وتقدم معنى «الهزء» في أول السورة](١).
وقال الثعلبي في تفسيره : قرىء : «هزؤّا» و «كفؤّا» مثقلات ومهموزات ، وهي قراءة أبي عمرو وأهل «الشام» و «الحجاز» واختار الكسائي ، وأبو عبيد ، وأبو حاتم «هزوّا» و «كفوّا» مثقلات بغير همز قال : وكلّها لغات صحيحة فصيحة معناها : الاستهزاء.
فصل في الباعث على تعجبهم
القوم إنما قالوا ذلك ؛ لأنهم لما طلبوا من موسى ـ عليه الصلاة والسّلام ـ تعيين القاتل ، فقال موسى عليه الصّلاة والسلام : اذبحوا بقرة فلم يفرقوا ، وبين هذا الجواب وذلك السؤال مناسبة ، فظنوا أنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ يداعبهم ؛ لأنه من المحتمل أن يكون ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أمرهم بذبح البقرة ، ولم يعلمهم أنهم إذا ذبحوا البقرة ، وضربوا القتيل ببعضها يصير حيا ، فلا جرم وقع هذا القول منهم موقع الهزء ، ويحتمل أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بيّن لهم كيفية الحال إلّا أنهم تعجّبوا من [أن](٢) القتيل كيف يصير حيّا بأن يضرب ببعض أجزاء البقرة ، وظنوا أن ذلك يجري مجرى الاستهزاء.
نقل القرطبي عن الماورديّ قال : «وإنما أمروا ـ والله أعلم ـ بذبح بقرة دون غيرها ؛ لأنها من جنس ما عبدوه من العجل ليهوّن عندهم ما كانوا يرونه من تعظيمه ، وليعلم بإجابتهم ما كان في نفوسهم من عبادته».
وهذا المعنى علّة في ذبح البقرة ، وليس بعلّة في جواب السّائل ، ولكن المعنى فيه أن يحيا القتيل بقتل حيّ ، فيكون أظهر لقدرته في اختراع الأشياء من أضدادها.
فصل في بيان هل كفر قوم موسى بسؤالهم ذلك؟
قال بعضهم : إن أولئك الأقوام كفروا بقولهم لموسى عليه الصلاة والسلام : أتتخذنا هزوا ، لأنهم إن قالوا لموسى ذلك لأنهم شكّوا في قدرة الله ـ تعالى ـ على إحياء الميت فهو كفر ، وإن شكّوا في ذلك أن الذي أمرهم به موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ هل هو بأمر الله ، فقد جوّزوا الخيانة على موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ في الوحي ، وذلك أيضا كفر ، ومن الناس من [قال](٣) : إنه لا يوجب الكفر لوجهين :
الأول : أن المداعبة على الأنبياء جائزة ، فلعلهم ظنوا أنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ يداعبهم مداعبة حقّه ، وذلك لا يوجب الكفر.
والثاني : أن معنى قوله : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) أي : ما أعجب هذا الجواب ، كأنك تستهزىء بنا لا أنهم حققوا على موسى الاستهزاء.
قوله : (أَعُوذُ بِاللهِ) تقدم إعرابه في الاستعاذة.
__________________
(١) في أ : قراءة حفص عن عاصم.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : يقول.