وجاز ذلك لما كان الشرط متوسطا ، وخبر «إنّ» هو جواب الشرط في المعنى ، وقد وقع بعده ، فصار التقدير : إن شاء الله هدايتنا اهتدينا.
وهذا الذي قاله لا يجوز ، فإنه متى وقع جواب الشرط ما لا يصلح أن يكون شرطا وجب اقترانه بالفاء ، وهذه الجملة لا تصلح أن تقع شرطا ، فلو كانت جوابا لزمتها الفاء ، ولا تحذف إلا ضرورة ، ولا جائز أن يريد أبو البقاء أنه دالّ على الجواب ، وسماه جوابا مجازا ؛ لأنه جعل ذلك مذهبا للمبرد مقابلا لمذهب سيبويه فقال : وقال المبرد : والجواب محذوف دلت عليه الجملة ؛ لأن الشرط معترض ، فالنية به التأخير ، فيصير كقولك : أنت ظالم إن فعلت.
وهذا الذي نقله عن المبرد هو المنقول عن سيبويه ، والذي نقله عن سيبويه قريب مما نقل عن الكوفيين وأبي زيد من أنه يجوز تقديم جواب الشّرط عليه ، وقد ردّ عليهم البصريون بقول العرب : «أنت ظالم إن فعلت».
إذ لو كان جوابا لوجب اقترانه بالفاء لما ذكرت ذلك.
وأصل «مهتدون» : «مهتديون» ، فأعلّ بالحذف ، وهو واضح.
فصل في الاستثناء بالمشيئة
قال الحسن ـ رضي الله تعالى عنه ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والّذي نفس محمّد بيده لو لم يقولوا : إن شاء الله لحيل بينهم وبينها أبدا» (١).
واعلم أن التلفّظ بهذه الكلمة مندوب إليه في كلّ عمل يراد تحصيله ، قاله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣ ، ٢٤].
وفيه استعانة بالله وتفويض الأمور إليه ، والاعتراف بقدرته.
فصل في الإرادة الكونية
احتج أهل السّنة بهذه الآية على أن الحوادث بأسرها مرادة لله تعالى.
وعند المعتزلة أن الله ـ تعالى ـ لما أمرهم بذلك ، فقد أراد اهتداءهم لا محالة ، وحينئذ لا يبقى لقولهم : (إِنْ شاءَ اللهُ) فائدة.
قال ابن الخطيب (٢) : أما على قول أصحابنا ، فإن الله ـ تعالى ـ قد يأمر بما لا يريد ، فحينئذ يبقى لقولهم : (إِنْ شاءَ اللهُ) فائدة.
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه كما في «الدر المنثور» (٢ / ١٥٠) عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : لو لا أن بني إسرائيل قالوا وإنا إن شاء الله لمهتدون ما أعطوا أبدا.
وذكره ابن كثير في تفسيره (١ / ١٥٨) عن ابن جريج ولفظه : لو أنهم لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد.
(٢) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ١١١.