فصل في مذهب المعتزلة في المشيئة
احتج المعتزلة بهذه الآية على أن مشيئة الله ـ تعالى ـ محدثة من وجهين :
الأول : أن دخول حرف «إن» يقتضي الحدوث.
الثاني : أنه ـ تعالى ـ علّق حصول الاهتداء على حصول مشيئة الاهتداء ، فلما لم يكن حصول الاهتداء أزليّا وجب ألّا تكون مشيئة الاهتداء أزلية.
فصل في تقدير المشيئة
ذكر القفال في تقدير هذه المشيئة وجوها :
أحدها : وإنا بمشيئة الله نهتدي للبقرة المأمور بذبحها عند تحصيل أوصافها المميزة لها عن غيرها.
وثانيها : وإنا إن شاء الله تعريفها إيّانا بالزيادة لنا في البيان نهتدي إليها.
وثالثها : وإنا إن شاء الله على هدى ، أي : في استقصائنا في السّؤال عن أوصاف البقر ، أي : إنّا لسنا على ضلالة فيما نفعل من هذا البحث.
ورابعها : إنا بمشيئة الله نهتدي للقاتل إذا وصفت لنا هذه البقرة بما تمتاز به عن غيرها.
قال القرطبي : وفي هذا الاستثناء إنابة وانقياد ، ودليل ندم على عدم موافقة الأمر.
وتقدير الكلام : وإنما لمهتدون إن شاء الله.
فقدم على ذكر الاهتداء اهتماما به.
قوله : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) المشهور «ذلول» بالرفع على أنها صفة ل «بقرة» ، وتوسطت «لا» للنفي كما تقدم في «لا فارض» ، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : لا هي ذلول ، والجملة من هذا المبتدأ أو الخبر في [محل](١) رفع صفة ل «بقرة».
وقرىء (٢) : «لا ذلول» بفتح اللام على أنها «لا» التي للتّبرئة والخبر محذوف تقديره : لا ذلول ثمّ أو ما أشبهه ، وليس المعنى على هذه القراءة ، ولذلك قال الأخفس : «لا ذلول نعت ، ولا يجوز نصبه».
و «الذّلول» : التي ذلّلت بالعمل ، يقال : بقرة ذلول بيّنة الذّل ـ بكسر الذال ، ورجل ذليل : بين الذّل ـ بضمّها ، وقد تقدم عند قوله : (الذِّلَّةُ) [البقرة : ٦١].
__________________
(١) في ب : موضع.
(٢) قرأ بها أبو عبد الرحمن السلمي.
انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٦٣ ، والكشاف : ١ / ١٥١ ، والبحر المحيط : ١ / ٤٢١ ، الدر المصون : ١ / ٢٥٩.