٥٩١ ـ قد كاد من طول البلى أن يمصحا (١)
وهي عكس «عسى» وذكروا ل «كاد» تفسيرين :
أحدهما : قالوا : نفيها إثبات وإثباتها نفي ، فقوله : كاد يفعل كذا ، معناه : قرب من أن يفعل ، لكنه ما فعله.
والثاني : قال عبد القاهر النحوي : إن «كاد» لمقاربة الفعل ، فقوله : «كاد يفعل» [معناه](٢) قرب من فعله.
وقوله : «ما كاد يفعل» معناه : ما قرب منه.
وللأولين أن يحتجوا بهذه الآية ؛ لأن قوله : (وَما كادُوا) معناه ما قاربوا الفعل ، ونفى المقاربة من الفعل يناقض إثبات وقوع الفعل ، فلو كانت «كاد» للمقاربة لزم وقوع التناقض في الآية ، وقد تقدم الكلام على كاد عند قوله (يَكادُ الْبَرْقُ) [البقرة : ٢٠].
فصل في النسخ بالأشقّ
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : لو ذبحوا أيّة بقرة أرادوا لأجزأت عنهم ؛ لكنهم شددوا على أنفسهم ، فشدد الله ـ تعالى ـ عليهم (٣) ، فعلى هذا نقول : التكاليف متغيرة فكلفوا في الأول أية بقرة كانت ، فلما لم يفعلوا كلفوا بأن تكون لا فارضا ولا بكرا ، قيل : عوان ، فلما لم يفعلوا كلفوا أن تكون صفراء ، فلما لم يفعلوا كلّفوا أن تكون مع ذلك لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ؛ لأنه قد ثبت أنه لا يجوز تأخير البيان ، فلا بد من كونه تكليفا بعد تكليف وذلك يدلّ على نسخ الأسهل (٤) بالأشقّ
__________________
(١) تقدم برقم (٢٤٣).
(٢) سقط في ب.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٢٠٤) وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس كما في «الدر المنثور» (١ / ١٥١).
(٤) اتفق الأصوليون على جواز نسخ الحكم بأخفّ ، أو مساو. واختلفوا في جوازه بأثقل : فالجمهور ذهب إلى جوازه عقلا ، ووقوعه شرعا ، ومنع ذلك طائفة ؛ منهم الإمام الشافعي ـ رضي الله تعالى عنه ـ مفترقين إلى فرقتين : فرقة منعت جوازه عقلا ووقوعه شرعا ، وفرقة منعت وقوعه شرعا فقط.
والدّليل على جوازه عقلا : هو أننا إمّا أن نعتبر المصلحة في فعله ـ تعالى ـ أم لا ، فإن ذهبنا إلى اعتبار المصلحة ، فلعل المصلحة تكون في رفع الحكم ، والإتيان بما هو أثقل منه ، وإن ذهبنا إلى عدم اعتبارها ، فله أن ينسخ الحكم ويأتي بما هو أخفّ وأثقل ؛ حيث هو الفاعل المختار.
والدّليل على وقوعه شرعا : ما ثبت من نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان ، والظاهر أن انتساخه كان بالتخيير بين صوم رمضان كله ، وبين فدية كل صوم ، ولا شكّ أن هذا التخيير أشق على الإنسان من صوم يوم واحد ، وإنكاره مكابرة.
وأما على قول من قال : «لم يشرع تخيير قط» بل أوجب الصوم في شهر رمضان كله ابتداء ، بدل هذا الصوم الواحد ، والآية في حق الشيخ الفاني ؛ فالأمر أظهر. ـ