اشتروها بملء مسكها ذهبا ، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير.
ذكر مكي : أن هذه البقرة نزلت من السماء ، ولم تكن من بقر الأرض قاله القرطبي. وزاد الماوردي : ثم فرق ثمنها على بني إسرائيل ، فأصاب كل فقير دينارين ، وروي أنهم طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة.
فصل في سبب تثاقلهم
اختلفوا في السبب الذي كان لأجله (ما كادُوا يَفْعَلُونَ) ، فقيل : لأجل غلاء ثمنها ، وقيل : لخوف الشهرة والفضيحة ، وعلى كلا القولين فالإحجام عن المأمور به غير جائز.
أما الأول فلأن ذبح البقرة ما كان يتمّ إلا بالثمن الكثير فوجب ؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، إلّا أن يدل دليل على خلافه.
وأما خوف الفضيحة فلا يدفع التكليف ، فإن القود إذا وجب عليه لزمه تسليم النفس من وليّ الدم إذا طالب ، وربما لزمه التعويض ليزول الشر والفتنة ، وإنما لزمه ذلك لتزول التّهمة عن القوم الذين طرحوا القتيل بالقرب منهم ، لأنه الذي عرضهم إليه ، فيلزمهم إزالتها ، فكيف يجوز جعله سببا للتّثاقل في هذا الفعل.
قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها).
أعلم أن وقوع ذلك القتل كان متقدما على الأمر بالذبح ، فأما الإخبار عن وقوع ذلك القتل ، وعن ضرب القتيل ببعض البقرة ، فلا يجب أن يكون متقدما في التلاوة في الأول ؛ لأن هذه القصة في نفسها يجب أن تكون متقدمة على الأولى في الوجود ، فأما التقدم في الذكر فغير واجب ؛ لأنه تارة يتقدّم ذكر السبب على الحكم ، وتارة على العكس ، فكأنه لما وقعت لهم تلك الواقعة أمرهم الله ـ تعالى ـ بذبح البقرة فلما ذبحوها قال : وإذ قتلتم نفسا من قبل ، واختلفتم وتنازعتم ، فإني أظهر لكم القاتل الذي [سترتموه](١) بأن يضرب القتيل ببعض هذه البقرة المذبوحة.
وذلك مستقيم والواو لا تقتضي الترتيب.
قال القرطبي : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [هود : ٤٠] إلى قوله : (إِلَّا قَلِيلٌ) فذكر إهلاك من هلك منهم ، ثم عطف عليه بقول : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) [هود : ٤١] فذكر الركوب متأخرا ، ومعلوم أن ركوبهم كان قبل الهلاك ، ومثله في القرآن كثير ، قال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً) [الكهف : ١ ، ٢] أي : أنزل على عبده الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجا فإن قيل [هب أنه](٢) لا خلل في هذا النظم [ولكن النظم](٣) الآخر
__________________
(١) في ب : ستدعون.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.