والضمير في : فاضربوه» يعود على «النفس» لتأويلها بمعنى الشخص والإنسان ، أو على القتيل المدلول عليه بقوله : (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) والجملة من «اضربوه» في محلّ نصب بالقول.
وفي الكلام محذوف والتقدير : فقلنا : اضربوه ببعضها فضربوه ببعضها فحيي ، إلا أنه حذف ذلك لدلالة قوله : (يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) عليه ، فهو كقوله : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) [البقرة : ٦٠] أي : فضرب فانفجرت [وقوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ) [البقرة : ١٨٤] أي : فأفطر فعدّة](١) وقوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ) [البقرة : ١٩٦] أي : فحلق ففدية.
فصل في بيان المضروب به
اختلفوا في البعض الذي ضربوا القتيل به.
فقيل : اللّسان ، لأنه آلة الكلام قاله الضحاك والحسين بن الفضل.
وقال سعيد بن جبير : بعجب ذنبها قاله يمان بن رئاب وهو أولى ؛ لأنه أساس البدن الذي ركب عليه الخلق ، وهو أول ما يخلق وآخر ما يبلى.
وقال مجاهد : بذنبها.
وقال عكرمة والكلبي : بفخذها الأيمن (٢).
وقال السّدّي : بالبضعة التي بين كتفيها.
وقيل : بأذنها.
وقال ابن عباس : بالعظم الذي يلي الغضروف ، وهو أصل الأذن [وهو المقتل](٣).
والأقرب أنهم كانوا مخيرين في أبعاض البقرة ؛ لأنهم أمروا بضرب القتيل ببعض البقرة وأي بعض من أبعاض البقرة ضربوا القتيل به ، فإنهم كانوا ممتثلين الأمر ، والإتيان بالمأمور به يدل على الخروج عن العهدة.
وليس في القرآن ما يدل على تعيين ذلك البعض ، فإن ورد فيه خبر صحيح قبل ، وإلا وجب السكوت عنه.
فإن قيل : ما الفائدة في ضرب المقتول ببعض البقرة مع أن الله ـ تعالى ـ قادر على أن يحييه ابتداء؟
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٢٣٠) عن عكرمة.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٥٣) ونسبه لوكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.