قالوا : لا ؛ لأنه روي عن عبيدة السّلماني أن الرجل القاتل في هذه [الواقعة](١) حرم الميراث لكونه قاتلا.
قال القاضي : «لا يجوز جعل هذه المسألة من أحكام هذه الآية ؛ لأنه ليس في ظاهر الآية أن القاتل هل كان وارثا لقتيله أم لا؟ وبتقدير أن يكون وارثا فهل حرم الميراث أم لا؟ وليس يجب إذ روي عن عبيدة أن القاتل حرم الميراث لكونه قاتلا ، أي : بعد ذلك في جملة أحكام القرآن إذا كان لا يدلّ عليه لا مجملا ولا مفصلا ، وإذا كان كذلك لم يثبت أن شرعهم كشرعنا ، وأنه [لا] يلزم الاقتداء لهم.
واستدل مالك بهذه الآية على صحّة القول بالقسامة بقول المقتول : حقّي عند فلان ، أو فلان قتلني.
ومنعه الشافعي وغيره ؛ لأن قول القتيل : دمي عند فلان ، أو فلان قتلني خبر يحتمل الصدق والكذب ، ودم المدعى عليه معصوم غير مباح إلا بيقين ، ولا يقين مع الاحتمال ، وأما قتيل بني إسرائيل فكانت معجزة فأخبر تعالى أنه يحييه ، وذكره يتضمن الإخبار بقاتله خبر ما لا يدخله الاحتمال.
قال ابن العربي : المعجزة إنما كانت في إحيائه ، فلما صار حيّا صار كلامه كسائر كلام الناس.
قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٧٤)
قال القفال : يجوز أن يكون هذا الخطاب لأهل الكتاب الذين كانوا في زمان محمد عليه الصلاة والسلام ، أي : اشتدت قلوبكم وقست وضلّت من بعد البيّنات التي جاءت أوائلكم ، والعقاب الذي نزل بمن أصرّ على المعصية منهم ، والآيات التي جاءهم بها أنبياؤهم ، فأخبر بذلك عن طغيانهم ، وجفائهم على ما عندهم من العلم بآيات الله التي تلين عندها القلوب.
قال : لأنه خطاب مشافهة فحمله على الحاضرين أولى ، ويحتمل أن يكون المراد أولئك اليهود الذين كانوا في زمان موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ خصوصا. وروي أن ذلك القتيل لما عين القاتل كذبه ، وما ترك الإنكار وساعده عليه جمع ، فتكون الإشارة لقوله بعد ذلك إلى ما أظهره الله ـ تعالى ـ من إحياء القتيل بضربه ببعض البقرة المذبوحة. ويحتمل أن تكون الإشارة إلى جميع ما عدده الله ـ تعالى ـ من النعم العظيمة ،
__________________
(١) في ب : الآية.