وهذا الذي قاله قد قرأ به (١) أبّي بن كعب والضحاك.
وقرأ (٢) مالك بن دينار (٣) «ينفجر» من الانفجار.
وقرأ قتادة (٤) : «وإن من الحجارة» بتخفيف «إن» من الثقيلة ، وأتى باللام فارقة بينها وبين «إن» النافية ، وكذلك : «وإن منها لما يشّقّق» و «إن منها لما يهبط» ، وهذه القراءة تحتمل أن تكون «ما» فيها في محل رفع وهو المشهور ، وأن تكون في محلّ نصب ؛ لأن «إن» المخففة سمع فيها الإعمال والإهمال ، قال تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود : ١١١] في قراءة من قرأه.
وقال في موضع آخر : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا) [يس : ٣٢] إلا أن المشهور الإهمال.
والتفجير : الفتح بالسّعة والكثرة ؛ يقال : انفجرت قرحة فلان أي : انشقت بالمدّة ، ومنه : الفجر والفجور.
فصل في تولد الأنهار
قالت الحكماء : الأنهار إنما تتولّد عن أبخرة تجتمع في باطن الأرض ، فإن كان ظاهر الأرض رخوا انشقت تلك الأبخرة وانفصلت ، وإن كان ظاهر الأرض صلبا حجريّا اجتمعت تلك الأبخرة ، ولا يزال يتصل بعضها ببعض حتى تكثر كثرة عظيمة ، فيعرض حينئذ من كثرتها وتواتر مدّها أن تنشقّ الأرض ، وتسيل تلك المياه أودية وأنهارا.
قوله : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) أي : وإنّ من الحجارة لما يتصدّع ، فينبع الماء منه فيكون عينا لا نهرا جاريا.
و «يشّقّق» أصله : يتشقّق ، فأدغم وبالأصل قرأ الأعمش ، وقرأ (٥) طلحة بن
__________________
(١) أي قرأ أبي : «منها» ، وكذلك قرأ الضحاك. وقراءة الجمهور حمل على اللفظ ؛ لأن «ما» لها هنا لفظ ومعنى ؛ لأن المراد به : الحجارة ، ولا يمكن أن يراد به مفرد المعنى ، فيكون لفظه ومعناه واحدا ؛ إذ ليس المعنى : وإنّ من الحجارة للحجر الذي يتفجر منه الماء ، إنما المعنى للأحجار التي يتفجر منها الأنهار ، كما مر أنّ قراءة أبيّ حمل على المعنى.
انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٦٧ ، والبحر المحيط : ١ / ٤٣١ ، والدر المصون : ١ / ٢٦٤.
(٢) انظر البحر المحيط : ١ / ٤٣١ ، والدر المصون : ١ / ٢٦٤ ، والمحرر الوجيز : ١ / ١٦٧.
(٣) مالك بن دينار أبو يحيى البصري وردت الرواية عنه في حروف القرآن سمع أنس بن مالك ، قال القتبي كان يكتب المصاحف بالأجرة وكان من أحفظ الناس للقرآن وكان يقرأ كل يوم جزءا من القرآن حتى يختم فإن أسقط حرفا قال : بذنب مني وما الله بظلام للعبيد ، مات سنة سبع وعشرين ومائة.
ينظر الغاية : ٢ / ٣٦ (٢٦٤٣).
(٤) انظر : المحرر الوجيز : ١ / ١٦٧ ، والبحر المحيط : ١ / ٤٢٩ ، والدر المصون : ١ / ٢٦٤ ، والقرطبي : ١ / ٣١٥.
(٥) انظر قراءة الأعمش في البحر المحيط : ١ / ٤٣١ ، والدر المصون : ١ / ٢٦٤ ، والتخريجات النحوية : ص ٣٥٦. ـ