تعالى ـ خلق فيه الحياة والعقل والإدراك ، وهذا غير مستعبد في قدرة الله تعالى.
ونظيره قوله تعالى : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [فصلت : ٢١].
فكما جعل الجلد ينطق ويسمع ويعقل ، فكذلك الجبل وصفه بالخشية.
وقال أيضا : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [الحشر : ٢١].
وروي أنه حنّ الجذع لصعود رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ المنبر ، ولما أتى الوحي رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم في أول المبعث ، وانصرف رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى منزله سلمت عليه الحجارة فكلها كانت تقول : السّلام عليك يا رسول الله.
قال مجاهد : ما تردّى حجر من رأس جبل ، ولا تفجّر نهر من حجر ، ولا خرج منه ماء إلّا من خشية الله ، نزل بذلك القرآن ، ومثله عن ابن جريج (١) وثبت عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : «إنّ حجرا كان يسلّم عليّ في الجاهليّة إنّي لأعرفه الآن» (٢). وروي أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : قال لي ثبير : اهبط ؛ فإنّي أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذّبني الله فناداه حراء : «إليّ يا رسول الله» (٣) وقوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) [الأحزاب : ٧٢] الآية.
وأنكرت المعتزلة ذلك ، ولا يلتفت إليهم ؛ لأنه لا دليل لهم إلا مجرد الاستبعاد.
لو قال بعض المفسّربن : الضمير عائد إلى «الحجارة» و «الحجارة» لا تعقل ، ولا تفهم ، فلا بدّ من التأويل ، فقال بعضهم : إسناد الهبوط استعارة ؛ كقوله : [الكامل]
٥٩٥ ـ لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشّع (٤) |
وقوله : (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) أي : ذلك الهبوط لو وجد من العاقل لكان به خاشيا لله ، وهو كقوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) [الكهف : ٧٧] أي جدارا قد ظهر فيه الميلان
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٢٤٠) عن مجاهد.
(٢) أخرجه مسلم في «صحيحه» (٤ / ١٧٨٢) كتاب الفضائل (٤٣) رقم (٢ / ٢٢٧٧) وأحمد (٥ / ٨٩ ، ٩٥) والدارمي (١ / ١٢) وابن أبي شيبة (١١ / ٤٦٤) والطبراني في «الكبير» (٢ / ٢٥٧) والصغير (١ / ٦٢) والبيهقي (٢ / ١٥٣) وابن عساكر (٢ / ١٥٣).
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١ / ٤٦٦).
(٤) البيت لجرير ينظر ديوانه : ص ٩١٣ ، والأشباه والنظائر : ٢ / ١٠٥ ، ٢٢٠ ، ٢٥ ، وجمهرة اللغة : ص ٧٢٣ ، وخزانة الأدب : ٤ / ٢١٨ ، وشرح أبيات سيبويه : ١ / ٢٥٧ ، والكتاب : ١ / ٥٢ ، ولسان العرب (حرث) ، (سور) ، (أفق) ، ولجرير أو للفرزدق في سمط اللآلي : ص ٣٧٩ ، ٩٢٢ ، وليس في ديوان الفرزدق ، وفي الخصائص : ٢ / ٤١٨ ، ورصف المباني : ص ١٦٩ ، والصاحبي في فقه اللغة : ص ٢٦٧ ، والمقتضب : ٤ / ١٩٧ ، والدر المصون : ١ / ٢٦٤.