وأصحاب الرأي وقالوا : لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ؛ لأن تعليمه واجب من الواجبات التي يحتاج فيها إلى نيّة التقرب ، فلا يؤخذ عليها أجره كالصّلاة والصيام.
واستدلوا بالآية [وروى أبو هريرة قال : قلت : يا رسول الله ما تقول في المعلّمين؟ قال : «درهمهم حرام ، وشربهم سحت وكلامهم رياء»](١).
وروى عبادة بن الصامت قال : علمت ناسا من أهل الصفّة القرآن والكتابة ، فأهدى إليّ رجل منهم قوسا ، فقلت : ليست بمال [وأرمي] عنها في سبيل الله ، فسألت عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «إن سرّك أن تطوّق بها طوقا من نار فاقبلها» (٢).
وأجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن مالك ، والشّافعي ، وأحمد ، وأبو ثور ، وأكثر العلماء ، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الرّقية :
«إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» (٣) أخرجه البخاري ، وهو نصّ [يرفع الخلاف ، فينبغي أن يعوّل عليه](٤).
وأما حجّة [المخالفين](٥) فقياسهم في مقابلة النّص ، وهو قادر ، ويمكن الفرق ، وهو أن الصّلاة والصّوم عبادات مختصّة بالفاعل ، وتعليم القرآن عبادة متعدّية لغير المعلم ، فيجوز الأجرة على محاولته النقل كتعليم كتابة القرآن.
قال ابن المنذر ، وأبو حنيفة : يكره تعليم القرآن بأجرة ، ويجوز أن يستأجر الرجل يكتب له لوحا أو شعرا أو غناء معلوما بأجر معلوم ، فيجوز الإجارة فيما هو معصية ، ويبطلها فيما هو طاعة.
وأما الآية فهي خاصّة ببني إسرائيل ، وشرع من قبلنا هل هو شرع لنا؟ فيه خلاف ، وهو لا يقول به ، ويمكن أن تكون الآية فيمن تعيّن عليه التّعليم ، فأبى حتى يأخذ عليه أجرا.
فأما إذا لم يتعيّن فيجوز له أخذ الأجرة بدليل السّنّة في ذلك ، وقد يتعيّن عليه إلّا أنه ليس عنده ما ينفقه على نفسه ، ولا على عياله ، فلا يجب عليه التّعليم ، وله أن يقبل على صنعته وحرفته. [وأما أحاديثهم فلا يصح منها شيء في الدليل](٦).
__________________
(١) انظر تفسير القرطبي : (١ / ٣٣٥).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢ / ٧٣٠) رقم (٢١٥٧) وأحمد (٥ / ٣١٥) والبيهقي (٦ / ١٥٥).
(٣) أخرجه البخاري «كتاب الطب» باب الشروط في الرقية رقم (٥٧٣٧) والبيهقي (١ / ٤٣٠) وابن حبان (١١٣١) والدار قطني (٣ / ٦٥) رقم (٢٤٨) والبغوي (٨ / ٢٦٧).
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : المخالف.
(٦) سقط في أ.