قوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) قد تقدم في قوله : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ).
قال القرطبي : «بغافل» في موضع نصب على لغة «الحجاز» ، وعلى لغة «تميم» في موضع رفع.
قوله : (عَمَّا تَعْمَلُونَ) متعلّق ب «غافل» ، و «ما» موصولة اسمية ، والعائد الضمير ، أي : تعملونه ، أو مصدرية فلا يحتاج إليه أي : عن عملكم ، ويجوز أن يكون واقعا موقع المفعول به ، ويجوز ألّا يكون.
وقرىء (١) : «يعملون» بالياء والتاء.
فصل في المقصود بالآية
والمعنى : أن الله بالمرصاد لهؤلاء القاسية قلوبهم ، وحافظ لأعمالهم محص لها ، فهو مجازيهم بها وهو كقوله : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) [مريم : ٦٤] وهذا وعيد وتخويف كبير.
فإن قيل : هل يصح أن يوصف الله بأنه ليس بغافل؟
قال القاضي : لا يصح ؛ لأنه يوهم جواز الغفلة عليه ، وليس الأمر كذلك ؛ لأن نفي الصفة عن الشيء لا يستلزم ثبوت صحّتها عليه ، بدليل قوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) [البقرة : ٢٥٥] (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) [الأنعام : ١٤].
قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٧٥)
قال القرطبي : هذا استفهام فيه معنى الإنكار ، كأنه أيأسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود.
ويقال : طمع فيه طمعا وطماعية ـ مخفف ـ فهو طمع على وزن «فعل» وأطمعه فيه غيره.
ويقال في التعجب : طمع الرّجل ـ بضم الميم ـ أي : صار كثير الطّمع.
والطمع : رزق الجند ، يقال : أمر لهم الأمير بأطماعهم ، أي : بأرزاقهم.
وامرأة مطماع : تطمع ولا تمكّن.
فصل في قبائح اليهود
لما ذكر قبائح أفعال أسلاف اليهود شرع في قبائح أفعال اليهود الذين كانوا في زمن محمد عليه الصلاة والسلام.
__________________
(١) وهي قراءة ابن كثير.
انظر السبعة : ١٦٠ ، والحجة للقراء السبعة : ٢ / ١١٠ ، والعنوان : ٧٠ ، وحجة القراءات : ١٠١ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٩٨ ، وشرح شعلة : ٢٦٦ ، وشرح الطيبة : ٤ / ٤٠.