وخامسها : الاحتجاج على من أنكر الإعادة من مشركي العرب مع إقراره بالابتداء كما في قوله : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) [البقرة : ٧٣].
فصل في تسلية النبيّ صلىاللهعليهوسلم
اعلم أن المراد تسلية رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيما يظهر من أهل الكتاب في زمانه من قلّة القبول فقال : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ).
قال الحسن : هو خطاب مع الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ والمؤمنين (١).
قال القاضي : وهذا الأليق بالظاهر ، وإن كان الأصل في الدّعاء ، فقد كان من الصحابة من يدعوهم إلى الإيمان ، ويظهر لهم الدلائل. قال ابن عبّاس : إنه خطاب مع النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ خاصّة ؛ لأنه هو الدّاعي ، وهو المقصود بالاستجابة. واللفظة وإن كانت للعموم لكن حملناها على هذا الخصوص لهذه [القرينة](٢).
روي أنه حين دخل «المدينة» ، ودعا اليهود إلى كتاب الله ، وكذبوه ، فأنزل الله ـ تعالى ـ وسبب هذا الاستعباد ما ذكرناه أي : أتطمعون أن يؤمنوا مع أنهم ما آمنوا بموسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ الذي كان هو السبب في خلاصهم من الذّل ، وفضلهم على الكل بظهور المعجزات المتوالية على يده ، مع ظهور أنواع العذاب على المتمردين ، فأي استبعاد في عدم إيمان هؤلاء.
فصل في إعراب الآية
قوله : (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) ناصب ومنصوب ، وعلامة النصب حذف النون والأصل في «أن» وموضعها نصب أو جر على ما عرف ، وعدي «يؤمنوا» باللّام لتضمّنه معنى أن يحدثوا الإيمان لأجل دعوتكم قاله الزمخشري.
فإن قيل : ما معنى الإضافة في قوله : (يُؤْمِنُوا لَكُمْ) والإيمان إنما هو لله؟
فالجواب : أن الإيمان ـ وإن كان لله ـ فهم الدّاعون إليه كما قال تعالى : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) [العنكبوت : ٢٦] لما آمن بنبوّته وتصديقه ، ويجوز أن يراد أن يؤمنوا لأجلكم ، ولأجل تشدّدكم في دعائهم. قوله : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) «الواو» : للحال.
قال بعضهم : وعلامتها أن يصلح موضها «إذ» ، والتقدير : أفتطمعون في إيمانهم ، والحال أنهم كاذبون محرفون لكلام الله تعالى.
و «قد» مقربة للماضي من الحال سوّغت وقوعه حالا.
و «يسمعون» خبر «كان».
__________________
(١) أخرجه ابن إسحاق وابن أبي حاتم كما في «الدر المنثور» (١ / ١٥٦) عن ابن عباس.
(٢) في أ : الآية.