وأما عند النحويين [فيطلق](١) على اللّفظ المركب المفيد بالوضع.
و «ثم» للتراخي إما في الزمان أو الرتبة.
و «التحريف» : الإمالة والتحويل ، وأصله من الانحراف عن الشيء ، ويقال : قلم محرّف إذا كان مائلا.
قوله : (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) متعلق ب «يحرفونه» ، و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية ، أي : ثم يحرفون الكلام من بعد المعنى الذي فهموه وعرفوه ، ويجوز أن تكون مصدرية.
والضمير في «عقلوه» يعود حينئذ على الكلام أي : من بعد تعقلهم إياه.
قوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) جملة حالية ، وفي العامل قولان :
أحدهما : «عقلوه» ، ولكن يلزم منه أن تكون حالا مؤكدة ؛ لأن معناها قد فهم من قوله: «عقلوه».
والثاني وهو الظاهر : أنه «يحرفونه» ، أي : يحرفونه حال علمهم بذلك.
فصل في تعيين الفريق
قال بعضهم : الفريق من كان في زمن موسى عليه الصّلاة والسّلام ؛ لأنه وصفهم بأنهم سمعوا كلام الله ، والذين سمعوا كلام الله هم أهل الميقات.
قال ابن عباس : هذه الآية نزلت في السّبعين المختارين الذين ذهبوا مع موسى ـ عليه الصلا والسلام ـ إلى الميقات ، وسمعوا كلام الله ، وأمره ونهيه ، فلما رجعوا إلى قومهم رجع الناس إلى قولهم ، وأما الصادقون منهم فأدّوا كما سمعوا (٢).
قالت طائفة منهم : سمعنا الله في آخر كلامه يقول : إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا ، وإن شئتم ألّا تفعلوا فلا بأس.
قال القرطبي : ومن قال : إنّ السبعين سمعوا كما سمع موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقد أخطأ ، وأذهب بفضيلة موسى ، واختصاصه بالتكليم.
وقال السّدّي وغيره : لم يطيقوا سماعه ، واختلطت أذهانهم ، ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعيده لهم ، فلمّا فرغوا وخرجوا بدلت طائفة منهم ما سمعت من كلام الله على لسان موسى عليه الصلاة والسّلام ، كما قال تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [التوبة : ٦].
ومنهم من قال : المراد بالفريق من كان في زمن محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كما غيّروا آية
__________________
(١) في أ : فلا يطلق.
(٢) ذكره الفخر الرازي : ٣ / ١٢٤.