قَلِيلاً) [آل عمران : ١٨٧] وقال : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : ١٤٦].
قال ابن الخطيب : ويجب أن يكونوا قليلين ؛ لأن الجمع العظيم لا يجوز عليهم كتمان ما يعتقدون ؛ لأنا إن جوزنا ذلك لم نعلم المحق من المبطل ، إن كثر العدد.
فإن قيل : قوله : (عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) تكرار.
أجاب القفّال ـ رضي الله عنه ـ بوجهين :
أحدهما : «من بعد ما عقلوا مراد الله ـ تعالى ـ منه» ، فأوّلوه تأويلا فاسدا يعلمون أنه غير مراد الله تعالى.
والثاني : أنهم عقلوا مراد الله تعالى ، وعلموا أن التأويل الفاسد يكسبهم العذاب والعقوبة من الله تعالى.
واعلم أن المقصود من ذلك تسلية الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وتصبيره على عنادهم فكلما كان عنادهم أعظم كان ذلك في التسلية أقوى.
قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ)(٧٧)
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن منافقي أهل الكتاب كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم قالوا لهم : آمنا بالذي آمنتم به ، ونشهد أنّ صاحبكم صادق ، وأنّ قوله حقّ ، ونجده بنعته وصفته في كتابنا ، ثم إذا خلا بعضهم إلى بعض قال الرؤساء كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسد ، ووهب بن يهودا وغيرهم أتحدّثونهم بما فتح الله عليكم في كتابه من نعته وصفته ليحاجوكم به (١).
قال القفّال ـ رحمهالله تعالى ـ في قوله تعالى : (فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ :) مأخوذ من قولهم : فتح الله على فلان في علم كذا أي [رزقه الله ذلك](٢) وسهل له طلبه.
قال الكلبي : بما قضى الله عليكم في كتابكم أن محمدا حق ، وقوله صدق ، ومنه قيل للقاضي : الفتّاح بلغة «اليمن».
وقال الكسائي : ما بيّنه الله عليكم.
وقال الواقدي : بما أنزل الله عليكم نظيره (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٩٦] أي : أنزلنا.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٢٥١) عن ابن عباس.
(٢) في أ : رزق ذلك.