ربهم يعلم سرهم وعلانيتهم ، وأنهم لا يأمنون حلول العقاب بسبب نفاقهم ، وعلى كلا القولين فهذا الكلام زجر لهم عن النفاق ، وعن وصية بعضهم بعضا بكتمان دلائل نبوة محمدصلىاللهعليهوسلم.
والأقرب أن اليهود المخاطبين بذلك كانوا عالمين بذلك ؛ لأنه لا يكاد يقال على طريق الزجر : أو لا يعلم كيف وكيت ، إلّا وهو عالم بذلك الشيء ، ويكون ذلك زاجرا له عن ذلك الفعل.
فصل في الاستدلال بالآية على أمور
قال القاضي : الآية تدلّ على أمور منها :
أنه ـ تعالى ـ إن كان هو الخالق لأفعال العباد ، فكيف يصح أن يزجرهم عن تلك الأقوال والأفعال ، ومنها أنها تدلّ على صحّة الحجاج والنظر وأن ذلك قد كان على طريقة الصّحابة والمؤمنين.
ومنها أنها تدلّ على أن الآتي بالمعصية مع العلم بكونها معصية يكون أعظم جرما.
قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)(٧٩)
واعلم أنه ـ تعالى ـ لما وصف اليهود بالعناد ، وأزال الطمع عن إيمانهم بين فرقهم ، فالفرقة الأولى هي الضّالة المضلّة ، وهم الذين يحرّفون الكلم عن مواضعه.
والفرقة الثانية : المنافقون.
والفرقة الثالثة : الذين يجادلون المنافقين.
والفرقة الرابعة : هم المذكورون هنا ، وهم العامة الأمّيون الذين لا يعرفون القراءة ، ولا الكتابة ، وطريقتهم التقليد وقبول ما يقال لهم ، فبين الله ـ تعالى ـ أن الممتنعين عن الإيمان ليس سبب ذلك واحدا ، بل لكل قسم سبب.
وقال بعضهم : هم بعض اليهود والمنافقين.
وقال عكرمة والضّحاك : «هم نصارى العرب».
وقيل : «هم قوم من أهل الكتاب رفع كتابهم لذنوب ارتكبوها ، فصاروا آمنين». وعن علي ـ رضي الله عنه ـ هم المجوس.
قوله : (مِنْهُمْ) خبر مقدم ، فيتعلّق بمحذوف. و «أمّيون» مبتدأ مؤخر ، ويجوز على رأي الأخفش أن يكون فاعلا بالظرف قبله ، وإن لم يعتمد.
وقد بنيت على ماذا يعتمد فيما تقدم.