وقال أبو مسلم : حمله على تمني القلب أولى بقوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) [البقرة : ١١١].
وقال الأكثرون : حمله على القراءة أليق ؛ لأنا إذا حملناه على ذلك كان له به تعلّق ، فكأنه قال : لا يعلمون الكتاب إلّا بقدر ما يتلى عليهم فيسمعونه ، وبقدر ما يذكر لهم فيقبلونه ، ثم إنّهم لا يتمكّنون من التدبّر والتأمل ، وإذا حمل على أن المراد الأحاديث والأكاذيب أو الظن والتقدير وحديث النفس كان الاستثناء فيه نادرا.
قوله : (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) «إن» نافية بمعنى «ما» وإذا كانت نافية المشهور أنها لا تعمل عمل «ما» الحجازية.
وأجاز بعضهم ذلك ونسبه لسيبويه ، وأنشد : [المنسرح]
٦٠٦ ـ إن هو مستوليا على أحد |
|
إلّا على أضعف المجانين (١) |
«هو» اسمها ، و «مستوليا» خبرها.
فقوله : «هم» في محل رفع الابتداء لا اسم «إن» لأنها لم تعمل على المشهور ، و «إلا» للاستثناء المفرغ ، ويظنون في محلّ الرفع خبرا لقوله «هم».
وحذف مفعولي الظّن للعلم بهما واقتصارا ، وهي مسألة خلاف.
فصل في بطلان التقليد في الأصول
الآية تدلّ على بطلان التقليد.
قال ابن الخطيب : وهو مشكل ؛ لأن التقليد في الفروع جائز عندنا (٢).
قوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ) «ويل» مبتدأ ، وجاز الابتداء به وإن كان نكرة ، لأنه دعاء عليهم ، والدعاء من المسوغات ، سواء كان دعاء له نحو : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أو دعاء عليه كهذه الآية ، والجار بعده الخبر ، فيتعلّق بمحذوف.
وقال أبو البقاء : ولو نصب لكان له وجه على تقدير : ألزمهم الله ويلا ، واللام
__________________
(١) ينظر الأزهية : ص ٤٦ ، وأوضح المسالك : ١ / ٢٩١ ، وتخليص الشواهد : ص ٣٠٦ ، وخزانة الأدب : ٤ / ١٦٦ ، والدرر : ٢ / ١٠٨ ، والمقاصد النحوية : ٢ / ١١٣ ، والمقرب : ١ / ١٠٥ ، وشرح التصريح : ١ / ٢٠١ ، وشرح الأشموني : ١ / ١٢٦ ، وشرح ابن عقيل : ص ١٦٠ ، وشرح عمدة الحافظ : ص ٢١٦ ، والجنى الداني : ص ٢٠٩ ، ورصف المباني : ص ١٠٨ ، وجواهر الأدب : ص ٢٠٦ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٢٥ ، والدر : ١ / ٢٧٠
(٢) ينظر المستصفى : ٢ / ٣٨٧ اللمع : (٧) جمع الجوامع : ٢ / ٣٩٢ شرح الكوكب : (٦١٦) البرهان : ٢ / ١٣٥٧ المنخول : ٤٧٢ الإحكام للآمدي : ٤ / ١٩٢ المنتهى : (١٦٣) شرح العضد : ١ / ٣٠٥ ، إرشاد الفحول : (٢٦٥) نشر البنود : ٢ / ٣٣٥ ، تيسير التحرير : ٤ / ٢٤٢ المسودة : (٤٦٢) فواتح الرحموت : ٢ / ٤٠٠ ميزان الأصول : ٢ / ٩٤٩.