وقال الحسن وأبو العالية : قالت اليهود : إن ربنا عتب علينا في أمرنا ، فأقسم ليعذّبنا أربعين يوما ، فلن تمسّنا النار إلّا أربعين يوما تحلّة القسم ، فكذبهم الله ـ تعالى ـ بقوله تعالى : (قُلْ : أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً)(١).
وقالت طائفة : إن اليهود قالت في التوراة : إنّ جهنم مسيرة أربعين سنة ، وأنهم يقطعون في كلّ يوم سنة حتى يكملوها ، وتذهب جهنّم. رواه الضّحاك عن ابن عباس (٢).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ زعم اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا أن ما بين طرفي جهنّم أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزّقوم ، فتذهب جهنم وتهلك (٣).
فإن قيل : «وقالوا : لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة» وقال في مكان آخر : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) [آل عمران : ٢٤] والموصوف في المكانين واحد وهو «أيام».
فالجواب : أن الاسم إن كان مذكرا ، فالأصل في صفة جمعه التاء ، يقال : كوز وكيزان مكسورة ، وثياب مقطوعة ، وإن كان مؤنثا كان الأصل في صفة جمعه الألف والتاء يقال : جرّة وجرار مكسورات ، وخابية وخوابي مكسورات ، إلا أنه قد يوجد الجمع بالألف والتاء فيما واحده مذكّر في بعض الصور ، وعلى هذا ورد قوله : (فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) [البقرة : ٢٠٣] ، و (أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) [الحج : ٢٨].
فصل في مدة الحيض
ذهب الحنفيّة إلى أنّ أقل الحيض ثلاثة (٤) أيام ، وأكثره عشرة ، واحتجو بقوله عليه
__________________
(١) أخرجه الطبري في تفسيره (٢ / ٢٧٩) عن قتادة ومجاهد.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٢ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥) عن الضحاك عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري (٢ / ٧٥ ـ ٢٧٦) والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٦٣) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي عن ابن عباس.
(٤) وأصله : السيلان ، قال الجوهري : حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ؛ فهي حائض وحائضة أيضا ، ذكره ابن الأثير وغيره ، واستحيضت المرأة : استمرّ بها الدم بعد أيامها ، فهي مستحاضة ، وتحيّضت ، أي : قعدت أيام حيضها عن الصلاة. وقال أبو القاسم الزمخشري في كتابه «أساس البلاغة» : ومن المجاز : حاضت السّمرة : إذا خرج منها شبه الدم.
ينظر لسان العرب : ٢ / ١٠٧٠ ، ترتيب القاموس : ٧٥٠.
واصطلاحا : عرفه الشافعية بأنه : الدم الخارج في سن الحيض ، وهو تسع سنين قمرية فأكثر ، من فرج المرأة على سبيل الصحة.
عرفه المالكية بأنه : دم كصفرة أو كدرة ، خرج بنفسه من قبل من تحمل عادة.
وعرفه الحنفية بأنه : دم ينفضه رحم امرأة سالمة عن داء.
وعرفه الحنابلة بأنه : دم جبلة يخرج من المرأة البالغة في أوقات معلومة.
ينظر حاشية البيجوري : ١ / ١١٢ ، الاختيار : ١ / ٢٦ ، المبدع : ١ / ٢٥٨ ، أنيس الفقهاء : ص (٦٣) ، حاشية الدسوقي : ١ / ١٦٧.