قوله : (أَمْ تَقُولُونَ) «أم» هذه يجوز فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون متّصلة ، فتكون للمعادلة بين الشيئين ، أي : أيّ هذين واقع ، وأخرجه مخرج المتردّد فيه ، وإن كان قد علم وقوع أحدهما ، وهو قولهم على الله ما لا يعلمون للتقرير ، ونظيره : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤] علم أيهما على هدى ، وأيهما في ضلال ، وقد عرف شروط المتصلة أول السورة.
ويجوز أن تكون منقطعة ، فتكون غير عاطفة ، وتقدر ب «بل» والهمزة ، والتقدير : بل أتقولون ، ويكون الاستفهام للإنكار ؛ لأنه قد وقع القول منهم بذلك ، هذا هو المشهور في «أم» المنقطعة ، وزعم جماعة أنها تقدر ب «بل» وحدها دون همزة استفهام ، فيعطف ما بعدها [على ما قبلها](١) في الإعراب ؛ واستدلّ عليه بقولهم : «إن لنا إبلا أم شاء» بنصب «شاء» وقول الآخر : [الطويل]
٦١١ ـ فليت سليمى في الممات ضجيعتي |
|
هنالك أم في جنّة أم جهنّم (٢) |
التقدير : بل في جهنّم ، ولو كانت همزة الاستفهام مقدّرة بعدها لوجب الرفع في «شاء» ، و «جهنم» على أنها خبر لمبتدأ محذوف ، وليس لقائل أن يقول : هي في هذين الموضعين متّصلة لما عرف أن من شرطها أن تتقدّمها الهمزة لفظا أو تقديرا ، ولا يصلح ذلك هنا.
قوله : (ما لا تَعْلَمُونَ) ما منصوبة ب «تقولون» ، وهي موصولة بمعنى «الذي» أو نكرة موصوفة ، والعائد على كلا القولين محذوف ، أي : ما لا تعلمونه ، فالجملة لا محلّ لها على القول الأول ، ومحلّها النصب على الثاني.
فصل في الاستدلال بالآية على أمور
الآية تدلّ على أمور :
أحدها : أن القول بغير دليل باطل.
الثاني : ما جاز وجوده وعدمه عقلا لم يجز المصير إلى الإثبات أو إلى النفي إلّا بدليل سمعي.
الثالث : تمسّك منكر والقياس وخبر الواحد بهذه الآية ، قالوا : لأن القياس وخبر الواحد لا يفيدان العلم ، فهو قول على الله بما لا يعلم.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) البيت لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٥٠١ ، أوضح المسالك ٣ / ٣٧٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٢٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٤٣. والدر المصون ١ / ٢٧٣.