والجواب : أنه دلت الدلائل على وجوب العمل عند حصول الظّن المستفاد من القياس ، ومن خبر الواحد ، فكان وجوب العمل عنده معلوما ، فكان القول به قولا بالمعلوم.
قوله تعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٨١)
«بلى» حرف جواب ك «نعم وجير وأجل وإي» ، إلا أن «بلى» جواب لنفي متقدم ، سواء دخله استفهام أم لا فيكون إيجابا له نحو قول القائل ما قام زيد ، فتقول : بلى ، أي : قد قام ، وتقول : أليس زيد قائما فتقول : بلى أي هو قائم قال تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ويروى عن ابن عبّاس أنهم لو قالوا نعم لكفروا.
وقال بعضهم : إن «بلى» قد تقع جوابا لنفي متقدّم وقد تقع جوابا لاستفهام إثبات كما قال عليه الصّلاة والسلام للذي سأله عن عطية أولاده : أتحبّ أن تساوي بين أولادك في البرّ؟ قال : «بلى».
وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لرجل : ألست أنت الّذي لقيته ب «مكة»؟ قال : «بلى» فأما قوله : [الوافر]
٦١٢ ـ أليس اللّيل يجمع أمّ عمرو |
|
وإيّانا ، فذاك بنا تداني |
نعم ، وترى الهلال كما أراه |
|
ويعلوها النّهار كما علاني (١) |
فقيل : ضرورة.
وقيل : نظر إلى المعنى ؛ لأنّ الاستفهام إذا دخل على النفي قرره وبهذا يقال : فكيف نقل عن ابن عباس أنهم لو قالوا نعم لكفروا مع أنّ النفي صار إيجابا. وقيل : قوله : «نعم» ليس جوابا ل «أليس» إنما هو جواب لقوله : «فذاك بنا تداني» فقوله تعالى : «بلى» رد لقولهم : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) أي : بلى تمسّكم أبدا ، في مقابلة قولهم : (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) وهو تقدير حسن.
والبصريون يقولون : إن «بلى» حرف بسيط ، وزعم الكوفيون أن أصلها «بل» التي للإضراب زيدت عليها «الباء» ليحسن الوقف عليها ، وضمنت الياء معنى الإيجاب قيل : تدلّ على رد النفي ، والياء تدلّ على الإيجاب يعنون بالياء الألف ، وإنما سموها ياء ؛ لأنها حرف عال وتكتب بالياء.
__________________
(١) البيتان لجحدر بن مالك ينظران في أمالي القالي : ١ / ٨٢٢ ، والجنى الداني : ص ٤٢٢ ـ ٤٢٣ ، وخزانة الأدب : ١١ / ٢٠١ ، ٢٠٢ ، ٢٠٤ ، ٢٠٦ ، ٢٠٩ ، وسمط اللآلي : ص ٦١٧ ، ٩٦١ ، وشرح شواهد المغني : ١ / ٤٠٨ ، ومغني اللبيب : ٢ / ٣٤٧ ، ومعجم البلدان : ٢ / ٢٢٣ (حجر) ، وللمعلوط القريعي في الشعر والشعراء : ١ / ٤٤٩ ، جواهر الأدب : ص ٣٦١ ، ورصف المباني : ص ٣٦٥ ، ومغني اللبيب : ١ / ٣٤٧ ، والدر المصون : ١ / ٢٧٣.