وخامسها : أن القرآن مملوء من كونه تعالى غافرا غفورا رحيما كريما عفوّا رحمانا. والأخبار في هذا قد بلغت حدّ التواتر ، وكل ذلك يوحب رجحان الوعد ، وليس في القرآن ما يدل على أنه ـ تعالى ـ بعيد عن الرحمة والكرم والعفو ، وكل ذلك يوجب رجحان جانب الوعد.
سادسها : أن الإنسان [هذا أتى](١) بأفضل الخيرات وهو الإيمان ولم يأت بأقبح القبائح وهو الكفر [بل أتى بالشر الذي هو في طبقة القبائح ليس في الغاية والسيد إذا أتى عبده من الطاعات ، وأتى بمعصية متوسطة ، فلو تولى بتلك المعصية على الطاعة لعد لئيما مؤذيا](٢).
فصل في الاستدلال بالآية
قد شرط في هذه الآية شرطان :
أحدهما : اكتساب السّيئة.
والثاني : إحاطة تلك السيئة بالعبد ، وذلك يدل على أنه لا بدّ من وجود الشرطين ولا يكفي وجود أحدهما ، وهذا يدل على أن من عقد اليمين على شرطين في طلاق أو إعتاق أنه لا يحنث بوجود أحدهما.
قوله تعالى :(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٨٢)
اعلم أنه سبحانه وتعالى ما ذكر في القرآن آية وعيد إلا وذكر في جنبها آية وعد ، وذلك لفوائد :
أحدها : أن يظهر سبحانه بذلك عدله ؛ لأنه لما حكم بالعذاب الدائم على المصرّين على الكفر ، وجب أن يحكم بالنّعيم الدائم على المصرين على الإيمان.
وثانيها : أنّ المؤمن لا بد وأن يعتدل خوفه ورجاؤه على ما قال عليه الصلاة والسلام : «المؤمن لو وزن خوفه ورجاؤه لاعتدلا» وذلك الاعتدال لا يحصل إلا بهذا الطريق.
وثالثها : أن يظهر بوعده كمال رحمته وبوعيده كمال حكمته ، فيصير ذلك سببا [للعرفان](٣).
فإن قيل : دلّت الآية على أن العمل الصالح خارج عن الإيمان ؛ لأنه لو دلّ الإيمان على العمل الصالح لعد الإيمان تكريرا.
أجاب القاضي : بأن الإيمان وإن كان يدخل فيه جميع الأعمال الصالحة إلّا أن
__________________
(١) في أ : أن ما هو.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : للغفران.