مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) إيهاما كما تقدم ، وفيه معنى القول ، ثم حذفت «أن» المفسرة ، ذكره الزّمخشري.
وفي ادعاء حذف حرف التفسير نظر لا يخفى.
قوله : (إِلَّا اللهَ) استثناء مفرغ ؛ لأن ما قبله مفتقر إليه وقد تقدم تحقيقه أولا.
وفيه التفات من التكلّم إلى الغيبة ، إذ لو جرى الكلام على نسقه لقيل : لا تعبدون إلّا إيانا ، لقوله : (أَخَذْنا).
وفي هذا الالتفات من الدّلالة على عظم هذا الاسم والتفرد به ما ليس في المضمر ، وأيضا الأسماء الواقعة ظاهرة ، فناسب أن يجاور الظاهر الظاهر.
فصل في مدلول «الميثاق
هذا الميثاق يدلّ على تمام ما لا بد منه في الدين ، لأنه ـ تعالى ـ لما أمر بعبادته ، ونهى عن عبادة غيره ، وذلك مسبوق بالعلم بذاته سبحانه ، وجميع ما يجب ويجوز ويستحيل عليه ، وبالعلم بوحدانيته وبراءته عن الأضداد والأنداد ، ومسبوق أيضا بالعلم بكيفية تلك العبادة الّتي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالوحي والرسالة ، فقوله : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) يتضمّن كلّ ما اشتمل عليه علم الكلام والفقه والأحكام.
وقال مكّي : «هذا الميثاق هو الذي أخذه عليهم حين أخرجوا من ظهر آدم كالذّر» و (بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن تتعلق الباء ب «إحسانا» على أنه مصدر واقع [موقع](١) فعل الأمر ، والتقدير وأحسنوا بالوالدين ، والباء ترادف «إلى» في هذا المعنى ، تقول : أحسنت به وإليه ، بمعنى أن يكون على هذا الوجه ثمّ مضاف محذوف ، وأحسنوا بر الوالدين بمعنى : أحسنوا إليهما برّهما.
قال ابن عطية (٢) : يعترض على هذا القول ، أن يتقدّم على المصدر معموله ، وهذا الاعتراض لا يتم على مذهب الجمهور ، فإن مذهبهم جواز تقديم معمول المصدر النّائب عن فعل الأمر عليه ، تقول : «ضربا زيدا» وإن شئت : «زيدا ضربا» وسواء عندهم إن جعلنا العمل للفعل المقدر ، أم للمصدر النائب عن فعله ، فإن التقديم عندهم جائز ، وإنما يمتنع تقدم معمول المصدر المنحل لحرف مصدري والفعل كما تقدم وإنما يتم على مذهب أبي الحسن ، فإنه منع تقديم معمول المصدر النائب عن الفعل ، ويخالف الجمهور في ذلك.
الثاني : أنها متعلّقة بمحذوف وذلك المحذوف يجوز أن يقدر فعل أمر مراعاة
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر المحرر الوجيز : ١ / ١٧٢.