بمصدر أيضا ليصبح عطف [الاسم] على مثله ، والتقدير : لا يكن منكم لبس الحق بالباطل وكتمانه ، وكذا سائر نظائره.
وقال «الكوفيون» : منصوب ب «واو» الصرف ، وقد تقدم معناه ، والوجه الأول أحسن ؛ لأنه نهي عن كل فعل على حدته ، وأما الوجه الثاني فإنه نهي عن الجمع ، ولا يلزم من النّهي عن الجمع بين الشّيئين النهي عن كل واحد على حدته إلا بدليل خارجي.
فصل في المراد بالكتمان
قال «ابن عبّاس» : يعني كتمانهم أمر النبي صلىاللهعليهوسلم وهم يعرفونه (١).
وقال «محمد بن سيرين» : نزل عصابة من ولد هارون ب «يثرب» لما أصاب بني إسرائيل ما أصابهم من ظهور العدوّ عليهم ، وتلك العصابة هم حملة التوراة يومئذ ، فأقاموا ب «يثرب» يرجون أن يخرج محمد صلىاللهعليهوسلم بين ظهرانيهم ، وهم مؤمنون مصدقون بنبوته ، فمضى أولئك الآباء ، وهم مؤمنون ، وخلف الأبناء وأبناء الأبناء ، فأدركوا محمدا صلىاللهعليهوسلم فكفروا به وهم يعرفون ، وهو معنى قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة : ٨٩].
قوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة من مبتدأ وخبر في محلّ نصب على الحال ، وعاملها : إما «تلبسوا» أو «تكتموا» إلّا أن عمل «تكتموا» أولى لوجهين :
أحدهما : أنه أقرب.
والثاني : أن كتمان الحقّ مع العلم به أبلغ ذمّا ، وفيه نوع مقابلة.
ولا يجوز أن تكون المسألة من باب الإعمال ؛ لأنه يستدعي الإضمار ، ولا يجوز إضمار الحال ؛ لأنه لا يكون إلا نكرة ، ولذلك منعوا الإخبار عنه ب «الذي».
فإن قيل : تكون المسألة من باب الإعمال على معنى أنا حذفنا من الأوّل ما أثبتناه في الثاني من غير إضمار ، حتى لا يلزم المحظور المذكور ، والتقدير : ولا تلبسوا الحق بالباطل وأنتم تعلمون ، ولا تكتموا الحق وأنتم تعلمون.
فالجواب : أن هذا لا يقال : فيه إعمال ، لأن الإعمال يستدعي أن يضمر في المهمل ، ثم يحذف.
وأجاز «ابن عطيّة» (٢) ألا تكون هذه الجملة حالا ، فإنه قال : «ويحتمل أن تكون شهادة عليهم بعلم حق مخصوص في أمر محمد عليه الصلاة والسلام ، ولم يشهد لهم بالعلم على الإطلاق ، فعلى هذا لا تكون الجملة في موقع الحال». وفيما قاله نظر.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١ / ٥٧١) والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٢٥).
(٢) ينظر المحرر الوجيز : ١ / ١٣٦.