فصل في بيان هل الكفار داخلون في المخاطبة بالحسنى
قال بعضهم : إنما يجب القول الحسن مع المؤمنين ، أما مع الكفّار والفسّاق فلا ، بدليل أنه يجب لعنهم وذمّهم ومحاربتهم ، فكيف يمكن أن يكون القول معهم حسنا ، وأيضا قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء : ١٤٨] والقائلون بهذا القول منهم من زعم أن هذا الأمر صار منسوخا بآية القتال.
ومنهم من قال : إنه دخله التّخصيص.
وزعم أبو جعفر محمد بن علي الباقر أن هذا العموم باق على ظاهره ، ولا حاجة إلى التخصيص ، ويدلّ عليه أن موسى وهارون مع علوّ منصبهما أمرا بالرّفق واللّين مع فرعون ، وكذا محمد صلىاللهعليهوسلم أمر بالرفق وترك الغلظة بقوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل : ١٢٥].
وقال : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام: ١٠٨].
وقوله : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان : ٧٢].
وقوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف : ١٩٩].
وأما ما تمسكوا به من أنه يجب لعنهم وذمهم.
قلنا : لا نسلّم أنه يجب لعنهم ، وإن سلّمنا لكن لا نسلّم أن اللّعن ليس قولا حسنا.
بيانه : أنّ القول الحسن ليس عبارة عن القول الذي يستهوونه ، بل القول الحسن هو الذي يحصل انتفاعهم به ، ونحن إذا لعنّاهم وذممناهم ليرتدعوا به عن الفعل القبيح كان ذلك نافعا في حقهم ، فكان قولا حسنا ، كما أن تغليظ الوالد لولده في القول يكون حسنا ونافعا من حيث يرتدع به عن الفعل القبيح.
سلمنا أنّ لعنهم ليس قولا حسنا ، ولكن لا نسلّم أن وجوبه ينافي وجوب القول الحسن.
بيانه : أنه لا منافاة بين كون الشخص مستحقّا للتعظيم بسبب إحسانه إلينا ، ومستحقّا للتحقير بسب كفره ، وإذا كان كذلك ، فلم لا يجوز أن يقال بوجوب القول الحسن معهم ، وأما تمسّكهم بقوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء : ١٤٨].
فجوابه : لم يجوز أن يكون المراد منه كشف حال الظالم ليحترز الناس عنه [وهو المراد بقوله عليهالسلام : «اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس»](١).
__________________
(١) سقط في ب.