وقرىء (١) شاذا : «وتكتمون» بالرفع ، وخرجوها على أنها حال ، وهذا غير صحيح ؛ لأنه مضارع مثبت فمن حقه ألا يقترن بالواو ، وما ورد من ذلك ، فهو مؤول بإضمار مبتدأ قبله ، نحو : «قمت وأصكّ عينه» ، وقول الآخر : [المتقارب]
٤٤٥ ـ فلمّا خشيت أظافيرهم |
|
نجوت وأرهنهم مالكا (٢) |
أي : «وأنا أصكّ» ، و «أنا أرهنهم» ، وكذا «وأنتم تكتمون» ، إلا أنه يلزم منه إشكال آخر ، وهو أنهم منهيّون عن اللّبس مطلقا ، والحال قيد في الجملة السابقة ، فيكون قد نهوا بقيد ، وليس ذلك مرادا إلّا أن [يقال : إنها حال لازمة ، وقد قيّده «الزمخشري» ب «كاتمين» ، فجعله حالا ، وفيه الإشكال المتقدّم ، إلّا أنه](٣) يكون أراد تفسير المعنى لا تفسير الإعراب ، قال «ابن الخطيب» (٤) : وجواب الإشكال أنه إذا لم يعلم حال الشيء لم يعلم أن ذلك اللبس والكتمان حق أو باطل ، وما لا يعرف كونه حقّا وباطلا لا يجوز الإقدام عليه بالنفي ، ولا بالإثبات ، بل يجب التوقّف فيه. وسبب ذكر هذا القيد أن الإقدام على الفعل الضّار مع العلم بكونه ضارّا أفحش من الإقدام عليه عند الجهل بكونه ضارّا ، فلما كانوا عالمين [بما](٥) في التلبيس من المفاسد كان إقدامهم عليه أقبح.
ويجوز أن تكون جملة خبرية عطفت على جملة طلبية ، كأنه ـ تعالى ـ نعى عليهم كتمهم الحقّ مع علمهم أنه حق.
[ومفعول](٦) العلم غير مراد ؛ لأن المعنى : وأنتم من ذوي العلم.
وقيل : حذف للعلم به ، والتقدير : تعلمون الحقّ من الباطل.
وقدره «الزمخشري» : «وأنتم تعلمون في حال علمكم أنكم لابسون كاتمون» ، فجعل المفعول اللّبس والكتم المفهومين من الفعلين السابقين. وهو حسن.
قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣)
أمرهم بالإيمان ، ثم نهاهم عن لبس الحق بالباطل ، وكتمان دلائل النّبوة ، ثم ذكر بعد ذلك بيان ما لزمهم من الشّرائع ، وذكر من جملته ما هو كالأصل فيها ، وهو الصّلاة التي هي أعظم العبادات البدنية ، والزكاة التي هي أعظم العبادات المالية.
__________________
(١) قرأ بها عبد الله.
انظر البحر المحيط : ١ / ٣٣٥ ، والدر المصون : ١ / ٢٠٩.
(٢) البيت لعبد الله بن همام السلولي ينظر إصلاح المنطق : ص ٢٣١ ، ٢٤٩ ، وخزانة الأدب : ٩ / ٣٦ ، والدرر : ٤ / ١٥ ، والشعر والشعراء : ٢ / ٦٥٥ ، والجنى الداني : ص ١٦٤ ، ورصف المباني : ص ٤٢٠ ، وشرح الأشموني : ١ / ٢٥٦ ، وشرح ابن عقيل : ص ٣٤٠ ، والمقرب : ١ / ١٥٥ ، وهمع الهوامع : ١ / ٢٤٦ ، الدر المصون : ١ / ٢٠٩.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ٤١.
(٥) سقط في ب.
(٦) في أ : ومفهوم.