أحدهما : أنها حال مؤكّدة ؛ لأن التولّي والإعراض مترادفان ، وقيل مبيّنة ، فإن التولي باليدين والإعراض بالقلب ، قاله أبو البقاء.
وقال بعده : وقيل : «تولّيتم» يعني آباءهم ، (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) يعني أنفسهم ، كما قال : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [البقرة : ٤١] أي آباءهم انتهى.
وهذا يؤدّي إلى أن جملة قوله : (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) لا تكون حالا ؛ لأن فاعل التولّي في الحقيقة ليس هو صاحب الحال والله أعلم.
وكذلك تكون «مبيّنة» إذا اختلف متعلّق التولي والإعراض كما قال بعضهم : ثم توليتم عن أخذ ميثاقكم ، وأنتم معرضون عن هذا النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : التولّي والإعراض مأخوذان من سلوك الطريق ، وذلك أنه إذا سلك طريقا ورجع عوده على بدئه سمي ذلك توليا ، وإن سلك في عرض الطريق سمي إعراضا.
وجاءت الحال جملة اسمية مصدرة ب «أنتم» ؛ لأنه أكد.
وجيء بخبر المبتدأ اسما ، لأنه أولّ على الثبوت فكأنه قيل : وأنتم عادتكم التولي والإعراض عن الحق.
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٨٥)
هذا الخطاب كله كالذي قبله ، وقوله : (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) كقوله : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) في الإعراب سواء.
و «تسفكون» من «أسفك» الرّباعي.
وقرأ طلحة بن مصرف ، وشعيب بن أبي حمزة بضم الفاء وهي لغة ، وأبو نهيك «تسفّكون» بضم التاء ، وفتح السين ، وتشديد الفاء.
و (وَلا تُخْرِجُونَ) معطوف.
فإن قيل : الإنسان ملجأ إلى ألّا يقتل نفسه فأي فائدة في النهي عنه؟
فالجواب من أوجه :
أحدها : أن هذا الإلجاء قد يتغير كما ثبت في أهل «الهند» أنهم يقدرون في قتل النفس التّخلّص من عالم الفساد ، واللحوق بعالم النور والصلاح ، أو كثير ممن صعب