والثّاني : أنه لا التفات فيه ، بل هو راجع إلى قوله : «من يفعل».
وقرأ الحسن (١) : «تردّون» بالخطاب وفيه الوجهان المتقدمان :
فالالتفات نظرا لقوله : «من يفعل» ، وعدم الالتفات نظرا لقوله : (أَفَتُؤْمِنُونَ).
وكذلك : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) قرىء في المشهور بالغيبة والخطاب والكلام فيهما كما تقدم.
فإن قيل : عذاب الدّهري الذي ينكر الصّانع يجب أن يكون أشدّ من عذاب اليهود ، فكيف يكون في حقّ اليهود (يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ)؟
فالجواب : المراد منه أشد من الخزي الحاصل في الدنيا ، فلفظ الأشد وإن ـ كان مطلقا ـ إلّا أن المراد أشد من هذه الجهة.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)(٨٦)
قد تقدم إعراب نظائرها إلا أنّ بعضهم ذكر وجوها مردودة لا بدّ من التنبيه عليها ، فأجاز أن يكون «أولئك» مبتدأ ، و (الَّذِينَ اشْتَرَوُا) خبره ، و (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) خبرا ثانيا ل «أولئك».
قال : ودخلت الفاء في جواب الخبر لأجل الموصول المشبه بالشرط وهذا خطأ فإن قوله : (فَلا يُخَفَّفُ) لم يجعله خبرا للموصول حتى تدخل «الفاء» في خبره ، وإنما جعله خبرا عن «أولئك» وأين هذا من ذاك؟
وأجاز أيضا أن يكون الذين مبتدأ ثانيا ، و «فلا يخفف» خبره ، دخلت لكونه خبرا للموصول ، والجملة خبرا عن «أولئك».
قال : ولم يحتج هذا إلى عائد ؛ لأن «الذين» هم «أولئك» كما تقول : «هذا زيد منطلق» ، وهذا أيضا خطأ لثلاثة أوجه :
أحدها : خلوّ الجملة من رابط ، وقوله : «لأن الذين» هم «أولئك» لا يفيد ، فإن الجملة المستغنية لا بدّ وأن تكون نفس المبتدأ.
وأما تنظيره ب «هذا زيد منطلق» فليس بصحيح ، فإن «هذا» مبتدأ و «زيد» خبره ، و «منطلق» خبر ثان ، ولا يجوز أن يكون «زيد» مبتدأ ثانيا ، و «منطلق» خبره ، والجملة خبر عن الأول ، للخلو من الرابط.
__________________
(١) وقرأ بها ابن هرمز.
انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٧٥ ، والبحر المحيط : ١ / ٤٦٢ ، والدر المصون : ١ / ٢٩٠.