فصل في عدم تأخير البيان عن الحاجة
قال ابن الخطيب (١) : القائلون بأنه لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب (٢) ، قالوا : إنما جاء في قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) بعد أن كان النّبي ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وصف لهم أركان الصّلاة وشرائطها ، فكأنه تعالى قال : وأقيموا الصلاة التي عرفتموها ، والقائلون بجواز التأخير قالوا : يجوز أن يراد الأمر بالصّلاة ، وإن كانوا لا يعرفون أن الصّلاة ما هي؟ ويكون المقصود أن يوطن السّامع نفسه على الامتثال ، وإن كان لا يعلم أن المأمور به ، ما هو؟ كما يقول السيد لعبده : إني آمرك غدا بشيء فلا بد وأن تفعله ، ويكون غرضه مه بأن يعزم العبد في الحال على أدائه في الوقت الثاني.
فصل في أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع
قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) خطاب مع اليهود ، وذلك يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام.
فإن قيل : قوله : (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أمر بالصّلاة ، وقوله : (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) أمر بالصّلاة أيضا ، فيكون تكرارا.
فالجواب : أن قوله : (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) أي : صلّوا مع المصلّين ، ففي الأوّل أمر بإقامة الصّلاة ، وفي الثاني أمر بفعلها في الجماعة فلا تكرار.
وقيل : إن اليهود لا ركوع في صلواتهم ، فخصّ الركوع بالذكر تحريضا لهم على الإتيان بصلاة المسلمين.
وقيل : الركوع : الخضوع ، فيكون نهيا عن الاستكبار المذموم.
قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(٤٤)
الهمزة في «أتأمرون» للإنكار والتّوبيخ ، أو للتعجّب من حالهم.
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ٤١.
(٢) ينظر البحر المحيط : ٣ / ٤٩٣ ، البرهان لإمام الحرمين : ١ / ١٦٦ ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : ٣ / ٢٨ ، نهاية السول : ٢ / ٥٤٠ ن ، زوائد الأصول للإسنوي : ص / ٣٠٤ ، منهاج العقول : ٢ / ٢٢٠ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري : ص / ٨٦ ، التحصيل من المحصول للأرموي : ١ / ٤٢٩ ، المنخول للغزالي : ص / ٦٨ ، المستصفى له : ١ / ٣٦٨ ، حاشية البناني : ٢ / ٦٩ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي : ٣ / ١٢١ ، حاشية العطار لجمع الجوامع : ٢ / ١٠٢ ، المعتمد لأبي الحسين : ١ / ٣١٤ ، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم : ١ / ٨١ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى : ٢ / ١٦٤ ، وينظر كشف الأسرار : ٣ / ١٠٨ ، المسودة : (١٨١) ، شرح العضد : ٢ / ١٦٤.