بشريعة جديدة إن كانت الأولى محفوظة ، أو محيية لبعض ما اندرس من الشّريعة الأولى.
والجواب : لم لا يجوز أن يكون المقصود من بعثة هؤلاء الرسل التعبّد بتلك الشريعة السّابقة بنوع آخر من الألطاف لا يعلمه إلا الله؟
فصل في لفظ عيسى
[قوله](١) : «عيسى» : علم أعجمي فلذلك لم ينصرف ، وقد تكلم النحويون في وزنه ، واشتقاقه على تقدير كونه عربيّ الوضع فقال سيبويه : وزنه «فعلى» والياء فيه ملحقة ببنات الأربعة كياء «معزى» يعني بالياء لا الألف ، سمّاها ياء لكتابتها بالياء.
وقال الفارسي : ألفه ليست للتأنيث ك «ذكرى» ، بدلالة صرفهم له في النكرة.
وقال عثمان بن سعيد الصيرفي (٢) : وزنه «فعلل» فالألف عنده أصيلة بمعنى أنها منقلبة عن أصل. ورد عليه ذلك ابن الباذش بأن الياء والواو لا يكونان أصليين في بنات الأربعة ، فمن قال : إن «عيسى» مشتق من «العيس» : وهو بياض تخالطه شقرة ليس بمصيب ، لأن الأعجمي لا يدخله اشتقاق ولا تصريف.
وقال الزمخشري : «وقيل : عيسى بالسّريانية يشوع».
قوله : (ابْنَ مَرْيَمَ) عطف بيان له أو بدل ، ويجوز أن يكون صفة إلا أن الأول أولى ؛ لأن «ابن مريم» جرى مجرى العلم له ، وللوصف ب «ابن» أحكام تخصّه ، ستأتي إن شاء الله تعالى مبينة ، وقد تقدم اشتقاق «ابن» وأصله.
و «مريم» أصله بالسّريانية صفة بمعنى الخادم ، ثم سمّي به ؛ فلذلك لم ينصرف ، وفي لغة العرب : هي المرأة التي تكثر مخالطة الرجال ك «الزّير» من الرجال ، وهو الذي يكثر مخالطتهن.
قال رؤبة : [الرجز]
٦٤٧ ـ قلت لزير لم تصله مريمه (٣)
و «ياء» الزّير عن واو ؛ لأنه من «زار ـ يزور» فقلبت للكسرة قبلها ك «الريح» ، فصار لفظ «مريم» مشتركا بين اللّسانين ، ووزنه عند النحويين «مفعل» لا «فعيل» ، قال
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد أبو عمرو الداني الأموي المعروف في زمانه بابن الصيرفي الإمام العلامة الحافظ أستاذ الأستاذين وشيخ المقرئين ولد سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة أخذ القراءات عن خلف بن إبراهيم ، وأبي الحسن طاهر بن عبد المنعم وغيرهما وقرأ عليه أبو إسحاق بن إبراهيم ، والحسين بن علي وغيرهما. ينظر غاية النهاية : ١ / ٥٠٣.
(٣) ينظر ديوانه : (١٤٩) ، الكشاف : (١ / ١٦١) ، اللسان (زير) ، والدر : ١ / ٢٩٣.