«فعل» الصحيح العين ، لا يجوز إلّا في شعر ، والمعنى على هذه القراءة : أن قلوبنا أوعية فهي غير محتاجة إلى علم آخر ، وهو قول ابن عباس وعطاء.
وقال الكلبي : «معناه أوعية لكلّ علم فهي لا تسمع حديثا إلا وعته إلّا حديثك لا تعقله ولا تعيه ، ولو كان فيه خير لفهمته ووعته».
وقيل : غلف كالغلاف الذي لا شيء فيه مما يدلّ على صحة قولك : التغليف كالتعمية في المعنى.
فصل في كلام المعتزلة
قالت المعتزلة : هذه الآية تدلّ على أنه ليس في قلوب الكفّار ما لا يمكنهم معه الإيمان ، لا غلاف ولا كنّ ولا سدّ على ما يقوله المجبرة ، لأنه لو كان كذلك لكان هؤلاء اليهود صادقين في هذا القول ، فلا يكذبهم الله في قوله : (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) وإنما يذمّ الكاذب المبطل لا الصّادق المحق ، وقالوا : هذا يدل على أن معنى قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) [الكهف : ٥٧] و (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) [يس : ٨] ، (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) [يس : ٩] ليس المراد كونهم ممنوعين عن الإيمان ، بل المراد : إما منع الألطاف ، أو تشبيه حالهم في إصرارهم على الكفر بمنزلة المجبور على الكفر.
قالوا : ونظير ذم الله ـ تعالى ـ اليهود على هذه المقالة ذمه الكافرين على مثل هذه المقالة ، وهو قوله تعالى : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥] ولو كان الأمر على ما يقوله المجبرة لكان هؤلاء القوم صادقين ، وإذا كان الأمر كذلك لم يذمّوا.
قال ابن الخطيب : واعلم أنا بيّنا في تفسير «الغلف» ثلاثة أوجه ، فلا يجب الجزم بواحد منها من غير دليل.
سلمنا أن المراد منه ذلك الوجه لكن لم قلتم : إن الآية تدل على أن ذلك القول مذموم؟
فإن قيل : إنما لعنهم الله بسبب هذه المقالة.
فالجواب من وجوه :
أحدها : لا نسلم ، بل لعلّه ـ تعالى ـ حكى عن حالهم ، أو عنهم قولا ، ثم بين أن من حالهم أنهم ملعونون بسبب كفرهم.
وثانيها : لعلّ المراد من قوله تعالى : (قُلُوبُنا غُلْفٌ) أنهم ذكروا ذلك على سبيل الاستفهام بمعنى الإنكار ، يعني : ليس قلوبنا في غلاف ولا في غطاء ، بل أفهامنا قويّة ، وخواطرنا منيرة ، ثم إنا تأملنا في دلائلك فلم نجد شيئا قويّا فلما ذكروا هذا الوصف