وشملتهم. وقال : (عَلَى الْكافِرِينَ) ولم يقل : «عليهم» إقامة للظّاهر مقام المضمر ، لينبّه على السبب المقتضي لذلك وهو الكفر.
قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ)(٩٠)
«بئس» : فعل ماض غير متصرّف ، معناه الذّمّ ، فلا يعمل إلّا في معرّف ب «أل» أو فيما أضيف إلى ما هما فيه ، أو في مضمر مفسّر بنكرة ، أو في «ما» على قول سيبويه.
وفيه لغات : بئس ـ بكسر العين وتخفيف ـ هذا الأصل ، وبئس ـ بكسر الفاء إتباعا للعين ، وتخفيف هذا الإتباع ، وهو أشهر الاستعمالات ومثلها «نعم» في جميع ما تقدم من الأحكام واللغات.
قال ابن الخطيب : ما كان ثانيه حرف حلق وهو مكسور يجوز فيه أربع لغات :
الأول : على الأصل أعني : بفتح الأول وكسر الثاني.
والثاني : إتباع الأول للثاني ، وهو أن يكون بكسر النون والعين ، كما يقال : «فخذ» بكسر الفاء والخاء ، وهم وإن كانوا يفرّون من الجمع بين الكسرتين إلّا أنهم جوّزوه ها هنا ؛ لكون الحرف الحلقيّ مستتبعا لما يجاوره.
الثالث : إسكان الحرف الحلقيّ المكسور ، وترك ما قبله ما كان ، فيقال : نعم وبأس بفتح الأول وإسكان الثاني ؛ كما يقال : «فخذ».
الرابع : أن يسكن الحرف الحلقيّ ، وتنقل كسرته إلى ما قبله فيقال : «نعم» بكسر النون وإسكان العين ؛ كما يقال : «فخذ» بكسر الفاء وإسكان الخاء.
واعلم أن هذا التغيير الأخير ، وإن كان في حدّ الجواز عند إطلاق هاتين الكلمتين ، إلّا أنهم جعلوه لازما لهما ؛ لخروجهما عمّا وضعت له الأفعال الماضية من الإخبار عن وجود المصدر في الزمان والماضي ، وصيرورتهما كلمتي مدح وذمّ ، ويراد بهما المبالغة في المدح والذم ؛ ليدلّ هذا التّغيير اللازم في اللّفظ على التغيير عن الأصل ، وفي المعنى ؛ فيقولون : «نعم الرّجل زيد» ولا يذكرونه على الأصل إلا في ضرورة الشّعر ؛ كما أنشد المبرّد : [الرمل]
٦٥٥ ـ ففداء لبني قيس على |
|
ما أصاب النّاس من شرّ وضر |
ما أقلّت قدماي إنّهم |
|
نعم السّاعون في الأمر المبر (١) |
__________________
(١) البيتان لطرفة. ينظر ديوانه : (٥٨) ، المقتضب : ٢ / ١٣٨ ، الأمالي الشجرية : ٢ / ٥٥ ، خزانة الأدب : ٩ / ٣٧٦ ، الكتاب : ٤٠ / ٤٤٠ ، الإنصاف : ١ / ١٢٢ ، شرح الكافية للرضي : ٢ / ٣٠١ ، الهمع : ٢ / ٨٤ ، الدرر : ٢ / ١٠٨ ، الفخر : ٣ / ١٢٨٢ ، الحجة : ٣٩٨.