في «ما» أن تكون مصدرية ، فإنه قال والرابع : أن تكون مصدرية ، أي بئس شراؤهم ، وفاعل «بئس» على هذا مضمر ؛ لأن المصدر هنا مخصوص ليس بجنس يعني فلا يكون فاعلا ، لكن يبطل هذا القول عود الضمير في «به» على «ما» والمصدرية لا يعود عليها ؛ لأنه حذف عند الجمهور.
فصل في المراد بالشراء في الآية
في الشراء ـ هنا ـ قولان :
أحدهما : أنه بمعنى البيع ، بيانه أنه ـ تعالى ـ لما مكن المكلّف من الإيمان الذي يفضي به إلى الجنة ، والكفر الذي يؤدّي به إلى النّار صار اختياره لأحدهما على الآخر بمنزلة اختيار مالك السّلعة ثمنها على سلعته ، فإذا اختار الإيمان الذي فيه فوزه ونجاته قيل : نعم ما اشترى ، ولما كان الغرض بالبيع والشراء هو إبدال ملك بملك صلح أن يوصف كلّ واحد منهما بأنه بائع ومشتر لوقوع هذا المعنى من كل واحد منهما.
الوجه الثاني : أن المكلّف إذا كان يخاف على نفسه من عقاب الله ـ تعالى ـ يأتي بأعمال يظن أنها تخلصه من العقاب ، فكأنه قد اشترى نفسه بتلك الأعمال ، فهؤلاء اليهود لما اعتقدوا فيما أتوا به أنه يخلصهم من العقاب ، ويوصّلهم إلى الثواب ، فقد ظنوا أنهم اشتروا أنفسهم به ، فذمّهم الله ـ تعالى ـ وقال : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ).
قوله : (أَنْ يَكْفُرُوا) قد تقدم فيه أنه يجوز أن يكون هو المخصوص بالذم ، ففيه الأوجه الثلاثة إما مبتدأ أو خبره الجملة قبله ، ولا حاجة إلى الرابط ؛ لأن العموم قائم مقامه ، إذ الألف واللام في فاعل «نعم وبئس» للجنس ، أو لأن الجملة نفس المبتدأ ، وإما خبر لمبتدأ محذوف وإما مبتدأ أو خبره محذوف ، وتقدم أنه يجوز أن يكون بدلا أو خبرا لمبتدأ حسبما تقرّر وتحرر.
وأجاز الفراء أن يكون في محلّ جر بدلا من الضمير في «به» إذا جعلت «ما» تامة.
قوله : (بِما أَنْزَلَ اللهُ) متعلّق ب «كفروا» ، وقد تقدّم أن «كفر» يتعدّى بنفسه تارة ، ويحرف الجر أخرى ، و «ما» موصولة بمعنى «الذي» ، والعائد محذوف تقديره : أنزله ، ويضعف جعلها نكرة موصوفة ، وكذلك جعلها مصدريّة ، والمصدر قائم مقام المفعول ، أي : بإنزاله يعني : بالمنزل.
قوله : «بغيا» فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه مفعول من أجله وهو مستوف لشروط النصب ، وفي الناصب له قولان :
أحدهما ـ وهو الظاهر ـ أنه يكفروا ، أي علة كفرهم البغي ، وهذا تنبيه على أن كفرهم [بغي وحسد] ، ولو لا هذا القول لجوزنا أن يكون كفرهم جهلا ، والمراد بذلك :